مَن اتَّقَى الغِيبَةَ، وقولَ الزُّورِ، واتَّقَى الزِّنَى، مع غَلَبَةِ شَهْوَةِ النِّساءِ على القُلوبِ، كان للقَتْلِ أهْيَبَ وأشَدَّ تَوَقِّيًا. واللهُ أعلمُ.
ويَحتَمِلُ أن يكونَ ذلك منه -صلى الله عليه وسلم- خِطابًا لقوم بأعْيانِهم، اتَّقَى عليهم مِن اللِّسانِ والفَرْجِ ما لم يَتَّقِ عليهم مِن سائرِ الجَوارح.
ويَحْتَمِلُ أيضًا أن يكونَ قولُه ذلك معه كلامٌ لم يَسْمَعْه الناقِلُ؛ كأنَّه قال: مَن عَافاه اللهُ، وَوَقَاه كذا وكذا، وشَرَّ ما بينَ لَحْيَيْه ورِجْلَيْه، ولَج الجنةَ. فسَمِع الناقِلُ بعضَ الحديثِ ولم يَسْمَعْ بعضًا، فنَقَل ما سَمع.
وإنَّما حُمِلْنا على تَخْرِيج هذه الوُجوهِ؛ لإجْماعِ الأُمَّةِ أنَّ مَن أحْصَنَ فَرْجَه عن الزِّنى، ومنَعَ لِسانَه مِن كلِّ سوءٍ، ولم يَتَّقِ ما سِوَى ذلك مِن القتلِ والظُّلْمِ، أنَّه لا تُضْمَنُ له الجنةُ، وهو إن مات -عندَنا- في مَشِيئَةِ الله تعالى، إن شاء غَفَر له، وإن شاء عذَّبَه، إذا مات مسلمًا.
وقولُه -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقُوا المُوبِقَاتِ المُهْلِكاتِ"(١). يَعْنِي الكبائرَ. أعَمُّ مِن هذا الحديثِ. قال اللهُ -عزَّ وجلَّ-: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}[النساء: ٣١]. والمُدْخَلُ الكريمُ: الجَنَّةُ.
وقد اخْتَلف العلماءُ في الكبائرِ، فأمَّا ما أتَى منها في الأحادِيثِ المرفوعةِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم -وهو المَفْزَعُ عند التَّنازُعِ- فحدَّثنا أحمدُ بنُ قاسِم بنِ عيسى، قال: حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ محمدِ بن حَبابَةَ البغداديُّ، قال: حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمدٍ البَغَويُّ، قال: حدَّثنا عليُّ بنُ الجعدِ، قال: حدَّثنا أيُّوبُ بنُ عُتْبَةَ، قال: حدَّثني طَيْلَسَةُ بنُ عليٍّ، قال: أتَيْتُ ابنَ عمرَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وهو تحتَ ظِلِّ أرَاكٍ، وهو