للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدَّثنا عبدُ الوارِثِ بنُ سُفْيانَ، قال: حدَّثنا قاسِمُ بنُ أصْبَغَ، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ زُهَيْرٍ، قال: حدَّثنا مُسْلِمٌ (١)، قال: حدَّثنا جَرِيرُ بنُ حازِمٍ، عن الأعْمَشِ، عن خَيْثَمَة (٢)، عن عديِّ بنِ حاتِمٍ، قال: أيْمَنُ امرئ وأشْأمُه، ما بينَ لَحْيَيْهِ (٣).

وقال ابنُ مسعودٍ: أعْظَمُ الخَطايا اللسانُ الكذُوبُ (٤).

وفي هذا الحديثِ من الفقهِ: أنَّ الكبائرَ أكثرُ ما تكونُ، واللهُ أعلمُ، من الفَم والفَرْجِ، ووَجَدْنَا الكفرَ، وشُرْبَ الخَمْرِ، وأكلَ الرِّبا، وقَذْفَ المحْصَناتِ، وأكلَ مالِ اليَتِيم ظُلْمًا، مِن الفَم واللِّسانِ، ووَجَدْنا الزِّنَى من الفَرْجِ.

وأحْسَبُ أنَّ المرادَ من الحديثِ أنَّه مَن اتَّقَى لِسانَه وما يَأْتي مِن القَذْفِ والغِيبةِ والسَّبِّ، كان أحْرَى أنْ يَتَّقِيَ القتلَ، ومَن اتَّقَى شُرْبَ الخمرِ كان حَرِيًّا باتِّقاءِ بَيْعِها، ومَن اتَّقَى أكْلَ الرِّبَا، لم يَعْمَلْ به؛ لأنَّ البُغْيَةَ مِن العَمَلِ به التَّصَرُّفُ في أكْلِه. فهذا وَجْهٌ في تَخْصِيصِ الجارِحَتَيْنِ المَذْكُورَتَيْنِ في هذا الحديثِ، وضَمانِ الجنةِ لمَن وُقِيَ شَرَّهما، وهذا التَّأْوِيلُ على نحوِ قولِ عمرَ - رَضِيَ اللهُ عنه - في الصَّلاةِ: "ومَن ضَيَّعَها كان لِمَا سِوَاها أضْيَعَ، ومَن حَفِظَها حَفِظَ دينه" (٥). فكأنَّ قولَه -صلى الله عليه وسلم-:


(١) هو مسلم بن إبراهيم الأزديّ.
(٢) هو خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سَبْرة.
(٣) أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق (٣٧٣) عن جرير بن حازم، به. وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٣٦٥٧١)، وابن خزيمة في التوحيد ١/ ٣٦٥، وابن حبَّان في صحيحه ١٣/ ٢٥ (٥٧١٧)، والطبراني في الكبير من طريق جرير بن حازم، به.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٣٥٦٩٤)، وهنّاد في الزهد (٤٩٧)، وأبو داود في الزهد (١٦٠)، وابن أبي الدنيا في الصمت (٤٧٩)، وفي ذمّ الكذب (١٤) من طريق عبد الرحمن بن عابس عنه.
(٥) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٣٧ (٦) عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عمر -رضي الله عنه-. ونافع لم يلق عمر بن الخطّاب، فهو منقطع، ووصله عبد الرزاق في المصنف ١/ ٥٣٦ (٢٠٣٧). فقد أخرجه عن عبد الله بن عمر -وهو العمري- وعن معمر عن أيوب برقم (٢٠٣٩) عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطّاب؛ فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>