للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه استعمالُ العُموم في الأخبارِ والأوامرِ، ألا تَرَى أن عمرَ اسْتَعْمَل ما سَمِع من النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قولَه: "خيرٌ لأحَدِكم ألَّا يأخُذَ من أحَدٍ شيئًا" على عُمُومِه؟ ولم تُوجِبْ عندَه اللغةُ في الخطابِ غيرَ ذلك، ولم يُنْكِرْ ذلك عليه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بل بَيَّنَ له مُرادَه منه.

وفيه أن العُمُومَ جائزٌ عليه الخصوصُ.

وفيه كراهيةُ السؤالِ على كلِّ حالٍ. وقد قدَّمْنا ذكْرَ الآثارِ فيمن تَحِلُّ له المسألةُ، ومن لا تَحِلُّ له، في كتابِنا هذا، فأغْنَى ذلك عن إعادَتِه هاهنا.

وقد يَحتمِلُ أن يكونَ قولُه في هذا الحديثِ: بعَث رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عمرَ بعطاءٍ؛ أي: مِمَّا كان يقْسِمُه من الفَيْء على سبيلِ الأُعْطيةِ. وهو بعيدٌ؛ لأنَّ أوَّلَ من فرَض الأُعْطِيَةَ عمرُ بنُ الخطابِ (١)، ويَستحِيلُ أيضًا أنْ يَرُدَّ نَصيبَه مِن الفَيْء، ويقولَ فيه ذلك القولَ، لِمَن تدَبَّرَه. والوجهُ عندي أنَّها عَطِيَّةُ على وَجْهِ الهِبَةِ والهدِيَّةِ والصلةِ. واللّهُ تعالى أعلمُ.

وفي الحديثِ أيضًا أن الواجِبَ قَبولُ كلِّ رزقٍ يَسُوقُه اللّهُ عزَّ وجلَّ إلى العبدِ على أيِّ حالٍ كان، ما لم يكنْ حرامًا بَيِّنًا.


(١) ينظر: الأموال لأبي عبيد (٥٥٤)، والطبقات لابن سعد ٣/ ٣٠٤ و ٢٨٤، والمصنف لابن أبي شيبة (٣٦٩٩٠) فيما أخرجوه من طريق أبي إسحاق السبيعي عن مصعب بن سعد: أنّ عمر بن الخطاب أوَّل من فرض الأَعطية.
وأخرج أبو داود في سننه (٢٩٦١) من طريق عيسى بن يونس عن ابنٍ لعديّ بن عديّ الكندي: أنّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى مَنْ سأل عن مواضع الفيء، فهو ما حَكَم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فرآه المؤمنون عَدْلَا موافقًا لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "جَعَل اللّهُ الحقَّ على لسان عمرَ وقلبِه" فَرضَ الأعطيةَ للمسلمين، وعَقَد لأهل الأديان ذمّةً بما فرض عليهم من الجزية، لم يضرب فيها بخُمْسٍ ولا مَغْنمٍ. وأخرجه البيهقي في الكبرى ٦/ ٢٩٥ (١٣٠٩٩) من طريق أبي داود، به. وقال: "رواية عمر بن عبد العزيز عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منقطعة، واللّه أعلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>