للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبَرني عبدُ الله بنُ محمدٍ، قال: حَدَّثَنَا عبدُ الحميدِ بنُ أحمدَ، قال: حَدَّثَنَا الخَضِرُ بنُ داودَ، قال: حَدَّثَنَا أبو بكرٍ، قال: سمِعتُ أبا عبدِ الله -يَعْنِي أحمدَ بنَ حنبَلٍ- يُسْألُ عن قولِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "ما أتاك من غيرِ مسألةٍ ولا إشْرَافٍ" أيَّ الإشْرافِ أراد؟ فقال: أن تَسْتَشْرِفَه وتقولَ: لعلَّه يَبعَثُ إليَّ بقلبِك. قيل له: وإن لم يتَعَرَّضْ؟ قال: نعم، إنَّما هو بالقلبِ. قيل له: هذا شديدٌ. قال: وإن كان شديدًا، فهو هكذا. قيل له: فإن كان رجل لم يُعَوِّدْني أن يُرسِلَ إليَّ شيئًا، إلَّا أنَّه قد عَرَض بقَلْبي، فقُلْتُ: عسى أن يَبعَثَ إليَّ شيئًا؟ فقال: هذا إشرافٌ؛ فأما إذا جاءك مِن غيرِ أن تَحتسِبَه ولا خَطَرَ على قَلْبِك، فهذا الآن ليس فيه إشْرَافٌ. قلتُ له: فلو عرَض بقَلْبِه، لو بعَث إليه، فبعثَ إليه، أيَلْزَمُه أن يَرُدَّه؟ قال: لا أدرِي ما يَلْزَمُه ولكنْ له حِينَئِذٍ أن يَرُدَّه. قلتُ له: وليس عليه واجِبٌ أن يَرُدَّه؟ قال: لا. ثم قال: إن الشأنَ أنَّه إذا جاءه مِن غيرِ مسألةٍ ولا إشرافٍ، كان عليه أن يأْخُذَ بقولِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "فلْيقْبَلْه". قال: فحينئذٍ يَنْبَغِي له أن يأخُذَ، ويَضيقُ عليه إذا كان من غيرِ إشرافٍ ولا مسألةٍ، أن يَرُدَّ، فإذا كان فيه إشرافٌ، فله أن يَرُدَّ، ولا يَلْزَمُه أن يأخُذَ، وإن أخَذه، فهو جائزٌ، ولو سأل، لم يكنْ له أنْ يأْخُذَ، وضاق عليه ذلك بالمسألةِ، إذا لم تَحِلَّ له (١).

قال أبو عُمر: الإشرافُ في اللغةِ: رَفْعُ الرأسِ إلى المطْمُوعِ عندَه والمطْمُوعِ فيه، وأن يَهَشَّ (٢) الإنسانُ ويتَعَرَّضَ.

وما قاله أحمدُ بنُ حنبلٍ رحِمه اللّهُ في تأويلِ الإشرافِ تَضيِيق وتَشْدِيدٌ، وهو عندِي بعيدٌ؛ لأن اللّهَ تبارَك وتعالَى تجاوَز لهذه الأُمَّةِ عمَّا حدَّثت به أنفسَها،


(١) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٣/ ٣٥٤ وعزاه لأبي بكر الأثرم.
(٢) هَشَّ للشيء يَهِشُّ: إذا سُرَّ به وفَرِح. والهشاشةُ: الارتياح والخِفَّةُ للمعروف. الصحاح واللسان مادة (هشش).

<<  <  ج: ص:  >  >>