للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ: إذا كانت حَيَّةً وقد أخْرَجَ السَّبُعُ جَوْفَها، أُكِلَتْ، إلَّا ما بانَ منها. وهو قولُ ابنِ وَهْبٍ، والأشْهَرُ مِن مَذْهَبِ الشافعيِّ (١). وقد تَقدَّمَ هذا مِن قولِ ابنِ عَبَّاسٍ.

وقال المُزَنِيُّ، عن الشافعيِّ، في السَّبُعِ إذا شَقَّ بَطْنَ شَاةٍ، واسْتُيقِنَ أنَّها تموتُ إنْ لم تُذَكَّ، فذُكِّيَتْ: فلا بَأْسَ بأكْلِها. قال المُزَنِيُّ: وأحْفَظُ له قولًا آخَرَ؛ أنَّها لا تُؤْكَلُ، إذا بلَغَ منها السَّبُعُ أو التَّرَدِّي إلى ما لا حَياةَ معه. قال المُزَنِيُّ: وهو قولُ المَدَنيِّين. قال: وهو عندِي أقْيَسُ على أصْلِ الشافعيِّ؛ لأنَّ قَوْلَه في صَيْدِ البَرِّ إذا لم يَبْلُغْ منه السِّلاحُ مَبْلَغَ الذَّبْحِ، وأُمْكِنَتْ ذَكاتُه، فلم يُذَكِّه، أنَّه لا يَأْكُلُه. قال: وفي هذا دَلِيل؛ أنَّه لو بلَغَ ما يَبْلُغُ (٢) الذَّبْحُ أكَلَه. قال المُزَنِيُّ. ودليل آخَرُ مِن قَوْلِه أيضًا؛ قال في كتابِ الدِّماءِ: لو قطَعَ حُلْقُومَ رَجُلِ ومَرِيئَه، أو قطَعَ حِشْوَتَه، فأبَانَها مِن جَوْفِه، أو صَيَّرَه في حالِ المذبوحِ، ثم ضرَبَ آخَرُ عُنُقَه، فالأوَّلُ قاتِلٌ، دونَ الآخَرِ. قال: ففي هذا من قَوْلِه دَلالةٌ على ما وصَفْتُ لكَ أنَّه أصَحُّ في القياسِ مِن قولِه الآخَرِ (٣).

قال أبو عُمر: أكثرُ أصحابِ الشافعيِّ على قولِه الآخرِ، على خلافِ ما اختارَ المُزَنِيُّ، واحْتَجَّ منهم أبو القاسم القَزْويِنيُّ بقولِ الله تعالى بعدَ ذكرِ المنخنقةِ وما ذكرَ معها إلى قولِه: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}. قال: فمَعْنَى الآيةِ: أكْلُ المنخنقةِ، والمترديةِ، والنطيحةِ، وما أكَلَ السَّبُعُ، إذا ذُكِّيَ وفيه الحياةُ، كان التَّرَدَّي وأكْلُ السَّبُع بَلَغَ


(١) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٢٠٤، وحلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء لأبي بكر الشاشي ٣/ ٣٨٢.
(٢) قوله: "ما يبلغ" لم يرد في ق.
(٣) ينظر: مختصر المُزني ٨/ ٣٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>