للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكيلَةَ السَّبُع. فعَمَّ بهذا أجناسَ الميتةِ التي كانوا يأكلون، وأحَلَّ لهم ما ذَكَّوا مِن بهيمةِ الأنعامِ، فكأنه قال -بعدَ أنْ ذكَرَ ما حَرَّمَ مِن المَيْتَاتِ ولحم الخنزيرِ-: لَكِنْ ما ذَبَحْتم وذَكَّيْتم مِن بَهِيمَةِ الأنعامِ، فحِلٌّ لكم. هذا مَعْنَى قولِه عندَهم. وإلى هذا ذهَبَ إسماعيلُ بنُ إسحاقَ القاضِي، وجماعةُ المالكيِّين البَغْدادِيِّين، وهو أحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ، ويُرْوَى نحوُ هذا المذهبِ عن زَيْدِ بنِ ثابِتٍ، ذكَرَه مالكٌ في "مُوَطَّئِه" (١). وذكَرَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عن يوسفَ بنِ سعدٍ، عن يَزيدَ مَوْلَى عَقِيلِ بنِ أبي طالب، قال: كانت لي عَنَاقٌ كريمَةٌ، فكَرِهْتُ أنْ أذْبَحَها، فلم ألْبَثْ أنْ ترَدَّتْ، فأمْرَرْتُ الشَّفْرَةَ على أوْدَاجِها، فرَكَضَتْ برجلِها، فسألْتُ زيدَ بنَ ثابِتٍ، فقال: إنَّ المَيِّتَ ليَتَحرَّكُ بعدَ مَوْتِه، فلا تَأْكُلْها.

قال أبو عُمر: يزيدُ مَوْلَى عَقِيل هذا، هو أبو مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيل بنِ أبي طالبٍ، وهذا الخبرُ قد روَاه مالكٌ، عن يَحْيَى بنِ سعيدٍ، عَنْ أبي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بنِ أبي طالبٍ بمَعْنًى واحدٍ وألفاظٍ مختلفةٍ (٢). ولا أعلمُ أحدًا مِن الصحابةِ رُوِيَ عنه مثلُ قولِ زيدِ بنِ ثابِتٍ هذا، واللهُ أعلمُ.

وقد خالفَه أبو هريرةَ وابنُ عَبَّاسٍ، وعلى قولِهما أكثرُ الناسِ. وقال محمدُ بنُ مَسْلَمَةَ: إذا قَطَعَ السَّبُعُ حلقومَ الشَّاةِ أو قسَمَ صُلْبَها، أو شَقَّ بَطنَها فأخْرَجَ مِعَاها، أو قطَعَ عُنُقَها، لم تُذَكَّ، وفي سائرِ ذلك كلِّه تُذَكَّى إذا كان فيها حَياةٌ. وقال غيرُه مِن أصحابِنا: تُذَكَّى التي شُقَّ بَطْنُها. نحوَ قولِ ابنِ حَبِيبٍ.

واخْتَلَفَ أصحابُ داودَ في هذا الاستثناءِ أيضًا على قولين؛ فذَهَبَ منهم قومٌ أنه منقطِعٌ كما وصَفْنا. وذهَبَ منهم آخرون إلى أنَّ الاستثناءَ مُتَّصِلٌ بما


(١) الموطأ ١/ ٦٣٢ (١٤١٠).
(٢) الموطأ ١/ ٦٣٢ (١٤١٠)، ومن طريق مالك أخرجه البيهقي في الكبرى ٩/ ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>