للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روِي عن النبيِّ -صلي الله عليه وسلم- قولُه: "إن مِن البيانِ لَسِحْرًا" من وُجُوهٍ غيرِ هذا، مِن حديثِ عَمَّارٍ (١) وغيره (٢).

واختلِف في المعنَى المقصودِ إليه في هذا الخبرِ؛ فقِيل: قُصِد به إلى ذَمِّ البلاغةِ، إذْ (٣) شُبِّهتْ بالسِّحرِ، والسِّحرُ مُحرَّمٌ مَذْمومٌ"؛ وذلك لِمَا فيها من تصويرِ الباطلِ في صور الحقِّ، والتفَيهُقِ والتشَدُّقِ (٤)، وقد جاء في الثرْثارِينَ المتَفَيْهِقِينَ ما جاء من الذم (٥). وإلى هذا المعنَى ذهَب طائفةٌ من أصحابِ مالكٍ. واسْتَدَلُّوا على ذلك بإدْخَالِ مالكٍ له في "موطَّئِه" في بابِ ما يُكْرَهُ من الكلام (٦).


(١) أخرجه أحمد في المسند ٣٠/ ٢٤٩ - ٢٥٠ (١٨٣١٧)، والدارمي في مسنده (١٥٥٦)، ومسلم (٨٦٩)، والبزار في مسنده ٤/ ٢٤١ (١٤٠٦)، وأبو يعلى في مسنده ٣/ ٢٠٦ (١٦٤٢) من حديث أبي وائل شقيق بن سلمة قال: خَطَبنا عمّارٌ فأوْجَزَ وأبلَغَ، فلمّا نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلَغْتَ فأوجَزْتَ، فلو كنت تنفَّستَ، فقال: إنّي سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-يقول: "إنّ طُولَ صلاةِ الرَّجلِ، وقِصَرَ خُطبتِه مَئنَّةٌ من فِقْهه، فأطيلوا الصلاةَ، واقصُروا الخُطبةَ، وإنّ منَ البيان سحرًا".
(٢) ويروى من حديث ابن عبّاس عند أحمد في المسند ٤/ ٤٨٦ (٢٧٦١)، والبخاري في الأدب المفرد (٨٧٢) من طريق سمان بن حرب عن عكرمة عنه.
ومن حديث ابن مسعود عند أحمد في المسند ٦/ ٣١٨ (٣٧٧٨)، والشاشي في مسنده (٣٨٧) و (٧٨٤) من طريق إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن أبيه عن سعد بن عياض، عنه.
ومن حديث أبي هريرة عند أبي داود (٥٠٠٩) من طريق الأعمش عن أبي صالح ذكوان السمان، عنه.
ومن حديث معن بن يزيد عند أحمد في المسند ٢٥/ ١٩٢ (١٥٨٦١)، والبخاري في الأدب المفرد (٨٧٧) عن طريق يحيى بن حمّاد عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري عن عاصم بن كليب عنه.
(٣) في ج، خ: "إذا".
(٤) التَّفيهُقُ: التوسُّع في الكلام وأن يَفْهَق به فمَهُ؛ -يعني يفتحه واسعًا. والتَّشدُّقُ: هو أن يلوي شِدْقه للتَّفصُّح. تهذيب اللغة للأزهري ٥/ ٢٦٢، ولسان العرب "شدق".
(٥) سيأتي تخريجه في أثناء هذا الباب قريبًا.
(٦) يعني حديث هذا الباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>