للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبَى (١) جمهورُ أهلِ الأدبِ والعلم بلسانِ العربِ إلَّا أن يجعَلُوا قولَه -صلى الله عليه وسلم-: "إن من البيانِ لَسِحْرًا" مَدْحًا وثناءً وتَفْضِيلًا للبيانِ وإطْرَاءً، وهو الذي تَدُلُّ عليه سِياقَةُ الخبرِ ولفْظُه، على ما نُورِدُه في هذا البابِ إن شاء اللهُ.

روَى عليُّ بنُ حَرْبٍ الموْصِليُّ، عن أبي سَعيدٍ (٢) الهيثم بنِ مَحْفُوظٍ، عن أبي المقَوّم يحيى بنِ ثَعْلَبةَ الأنصاريِّ، عن الحَكمِ (٣)، عن مِقْسَمٍ (٤)، عن ابنِ عباسٍ، قال: اجتمَع عندَ النبيِّ -صلي الله عليه وسلم- قيسُ بنُ عاصمٍ، والزِّبْرِقانُ بنُ بَدْرٍ، وعمرُو بنُ الأَهْتَمِ، ففخَر الزِّبْرِقَانُ، فقال: يا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، أنا سَيِّدُ تَمِيمٍ، والمطَاعُ فيهم، والمجَابُ منهم، آخُذُ لهم بحُقُوقِهم، وأمْنَعُهم من الظلم، وهذا يَعْلَمُ ذلك. يعْنِي عمرَو بنَ الأَهْتَمِ. فقال عمرو: وإنه لشَدِيدُ العارِضةِ (٥)، مانِعٌ لجانبِه، مُطَاعٌ في أدَانِيه (٦). فقال الزِّبرِقَانُ: والله لقد كذَب يا رسولَ الله، وما يَمْنَعُه أن يتَكَلَّمَ إلَّا الحسدُ. فقال عمرو: أنا أحْسُدُكَ! فوَ الله لبئيسُ الخالِ، حديثُ المالِ، أحْمَقُ الوالدِ، مُبْغَضٌ في العشير، والله يا رسولَ الله ما كذَبْتُ فيما قُلْتُ أولًا، ولقد صدَقْتُ فيما قُلْتُ آخِرًا؛ رَضِيتُ فقُلْتُ أحسنَ ما عَلِمْتُ، وغَضِبْتُ فقلتُ أقْبَحَ ما وَجَدْتُ، ولقد صدَقْتُ في الأمْرِيْنِ جميعًا. فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إن من البيانِ لسحرًا، إن من البيانٍ لسحرًا (٧) " (٨).


(١) هذه الفقرة من ق.
(٢) كذا في النسخ وغوامض الأسماء لابن بشكوال، وكنيته عند الحاكم والبيهقي وأبي نعيم والذهبي في الميزان ٤/ ٣٢٦ ومن نقل عنه: أبو سعد.
(٣) الحكم بن عتيبة الكندي.
(٤) مقسم بن بجرة، مولى ابن عباس.
(٥) أي: ذو جَلَدٍ وصَرامةٍ؛ قاله الخليل في العين ١/ ٢٧٦.
(٦) أي: في أقاربه، يقال: بينهما دَناوَة؛ أي: قَرابة. والدَّنِيُّ: القريب. (ينظر الصحاح للجوهري مادة دنا).
(٧) قوله: "إن من البيان لسحرًا" الثاني لم يرد في م.
(٨) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣/ ٦١٣، وأبو نعيم في معرفة الصحابة ٤/ ٢٠٣٩ (٥١٢٢)، والبيهقي في دلائل النبوَّة ٥/ ٣١٦، وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة ١/ ٩٩ من طرقٍ عن علىّ بن حرب الموصليّ، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>