للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أمَر بلالًا فأَذَّنَ في مَضجَعِه ذلك بالأُولَى، ثم مَشَوا قليلًا، ثم أقامَ فصلَّوا الصبحَ. وسنذكُرُ في هذا البابِ جميعَ هذه الآثارِ إنْ شاءَ اللهُ.

ونومُه -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الوقت عن صلاةِ الصبحِ حتى طلَعتِ الشمسُ، أمرٌ خارج، واللهُ أعلمُ، عن عادَتِه وطباعِه وطباعِ الأنبياءِ قبلَه، وأظُنُّ الأنبياءَ مخصُوصينَ بأنْ تنامَ أعينُهم ولا تنامَ قلوبُهم، على ما رُويَ عنه -صلى الله عليه وسلم- (١)، وإنَّما كانَ نومُه ذلك ليكونَ سُنّةً، والله أعلمُ، وليَعلمَ المؤمنُون كيف حُكمُ من نامَ عن الصلاةِ أو نَسِيها حتى يخرُجَ وقتُها، وهو من بابِ قولِه عليه السلامُ: "إنِّي لأَنسَى -أو أُنسَّى- لأسُنَّ" (٢). والذي كانت عليه جِبِلَّتُه وعادَتُه -صلى الله عليه وسلم- ألّا يُخامِرَ النومُ قلبَه، ولا يُخالِطَ نفسَه، وإنَّما كانت تنامُ عينُه ولا ينامُ قلبُه، وقد ثبَت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "إنَّ عينيَّ تنامان، ولا ينامُ قلبي" (٣). وهذا على العمومِ؛ لأنَّه جاءَ عنه -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّا معشرَ الأنبياءِ تنامُ أعينُنا، ولا تنامُ قلوبُنا" (٤). ولا يجوزُ أنْ يكونَ مخصوصًا بذلك؛ لأنَّها خَصلَة لم يعُدَّها في السِّتِّ التي أُوتيها ولم يُؤتَها أحدٌ قبلَه من الأنبياءِ، فلما أرادَ اللهُ منه ما أرادَ، لِيُبيِّن لأُمَّتِه -صلى الله عليه وسلم-، قبَض رُوحَه ورُوحَ مَن معه في نومِهم ذلك، وصرَفها إليهم بعدَ طلوعِ الشمسِ؛ ليُبيِّنَ لهم مرادَه على لسانِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم-. وعلى هذا التأويلِ جماعةُ أهلِ الفقهِ والأثرِ، وهو واضحٌ، والمخالفُ فيه مبتَدِعٌ، وللكلام عليه موضعٌ غيرُ هذا، وبالله تعالى التوفيقُ.


(١) من حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه أحمد في المسند ٤٠/ ٨٣ (٢٤٠٧٣)، والبخاري (١١٤٧)، ومسلم (٧٣٨) من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها، وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشةُ، إنّ عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي".
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٥٥ (٢٦٤) أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فذكره، وهو الحديث الرابع والأربعون من البلاغات، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى مع مزيد كلام عليه.
(٣) سلف تخريجه في التعليق قبل السابق.
(٤) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١/ ١٧١ عن الفضل بن دُكين عن طلحة بن عمرو، عن عطاء عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مرسلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>