للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خبرٍ صحيحٍ، ولا له مدخلٌ في القياس ولا في المعقول، ولا دلَّ عليه فحوى الخطابِ، ولا خرَج عليه الخبرُ.

واحتجَّ قائلُ هذا القولِ بما رواه ابنُ وهبٍ، قال (١): أخبَرني يحيى بنُ أيُّوبَ، عن زيدِ بنِ جَبيرَةَ، عن داودَ بنِ الحُصينِ، عن نافع، عن ابنِ عمرَ، أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يُصلَّى في سبعِ مواطنَ: في المزبلةِ، والمَجْزرةِ، والمَقْبرةِ، ومَحَجَّةِ الطريقِ، والحمَّامِ، ومَعاطنِ الإبلِ، وفوقَ بيتِ الله عزَّ وجلَّ". وهذا حديثٌ انفرَد به زيدُ بنُ جَبيرَةَ، وأنكَروه عليه، ولا يُعرفُ هذا الحديثُ مُسندًا إلَّا مِن روايةِ يحيى بنِ أيُّوبَ، عن زيدِ بنِ جَبيرةَ، وقد كتَب اللَّيثُ بنُ سعدٍ إلى عبدِ الله بنِ نافع مولى ابن عمرَ يسألُه عن هذا الحديثِ، فكتَب إليه عبدُ الله بنُ نافع: لا أعلمُ مَن حدَّث بهذا عن نافع إلَّا قد قال عليه الباطلَ. ذكَره الحُلوانيُّ (٢)، عن سعيدِ بنِ أبي مريمَ، عن اللَّيثِ. فصحَّ بهذا وشِبهِه أنَّ الحديثَ منكر لا يجوزُ أنْ يُحتجَّ عندَ أهلِ العلم بمثلِه، على أنَّه ليس فيه تخصيصُ مَقبَرَةِ المُشرِكِينَ مِن غيرِها.

وأمَّا حديثُ أبي سعيدٍ الخُدريِّ ففيه مِن العلَّةِ ما وصَفنا، وليس فيه إلَّا المقبرةَ والحمَّامَ، بالألفِ واللَّام، فغيرُ جائزٍ أنْ يُردَّ ذلك إلى مقبرةٍ دونَ مقبرةٍ، أو حمَّام دونَ حمَّام، بغيرِ توقيفٍ عليه. ولا يخلو تخصيصُ مَن خصَّص مقبرةَ المشركين مِن أحدِ وجهينِ:

إمَّا أنْ يكونَ مِن أجلِ اختلافِ الكفارِ إليها بأقدامِهم، فلا معنى لخصوصِ المقبر بالذكرِ؛ لأنَّ كلَّ موضع هم فيه بأجسامِهم وأقدامِهم فهو كذلك، وقد


(١) في موطّئه (٤٤٥)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى ٢/ ٣٢٩ (٣٩٥٩).
(٢) وهو الحسن بن عليٍّ، ومن طريقه أخرجه العُقيليّ في الضعفاء الكبير ٢/ ٧١ في ترجمته لزيد بن جَبيرة، وقال: حدَّثني آدمُ بن موسى قال: سمعتُ البخاريَّ قال: زيدُ بنُ جَبيرة منكر الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>