للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يتكلَّمَ بما لا معنى له، أو يكونَ مِن أجلِ أنَّها بقعةُ سُخطٍ، فلو كان كذلك ما كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لِيَبنيَ مسجدَه في مقبرة المشركينَ، ويَنبُشَها ويُسوِّيَها ويَبنِيَ عليها، وقد أجازَ العلماءُ الصلاةَ في الكنيسةِ إذا بُسطَ فيها ثوبٌ طاهرٌ، ومعلومٌ أنَّ الكنيسةَ أقربُ إلى أنْ تكونَ بُقْعةَ سُخْطٍ مِن المقبرة، لأنَّها بقعة يُعصَى اللهُ ويُكفرُ به فيها، وليس كذلك المقبرةُ؛ وقد ورَدتِ السُّنةُ بإباحةِ اتِّخاذِ البِيَع والكنائسِ مساجدَ.

ذكرَ البخاريُّ (١) أنَّ ابنَ عباسٍ كانَ يُصلِّي في البِيعَةِ إذا لم يكُنْ فيها تماثيلُ. ذكَر عبدُ الرزاقِ (٢)، عن الثوريِّ، عن خُصيفٍ، عن مِقسمٍ، عن ابنِ عباسٍ، أنَّه كان يَكرَهُ أنْ يُصلِّيَ في الكنيسةِ إذا كان فيها تماثيلُ.

وروَى أيُّوب وعُبيدُ الله بنُ عمرَ وغيرُهما، عن نافع، عن أسلمَ مولى عمرَ: أنَّ عمرَ لمَّا قدِم الشامَ، صنَع له رجلٌ مِن عظماء النصارى طعامًا ودَعاه، فقال عمرُ: إنَّا لا ندخُلُ كنائسَكم ولا نُصلِّي فيها مِن أجْلِ ما فيها مِن الصوَرِ والتماثيلِ (٣).

فلم يَكرَهْ عمرُ ولا ابنُ عباسٍ ذلك إلَّا مِن أجلِ ما فيها مِن التماثيل.

وحكَى عبدُ الرزاقِ، عن الثوريِّ، عن منصورِ، عن إبراهيمَ. وعن الثوريِّ، عن جابرٍ، عن الشعبيِّ، قالا: لا بأسَ بالصلاةِ في البِيعَةِ (٤). وأمَّا جُثَثُ الموتى، فقد اختلَف فيها العلماءُ؛ فمنهم مَن جعَلها كلَّها سواءً، ويتحفَّظُ عندَ غَسلِ الميِّتِ مِن أنْ يَطيرَ إليه شيءٌ مِن الماء.


(١) في صحيحه، باب الصلاة في البِيَعَةِ، قبل الحديث (٤٣٤).
(٢) في مصنَّفه ١/ ٤١١ (١٦٠٨).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في المصنَف ١/ ٤١١ (١٦١١) و ١٠/ ٣٩٨ (١٩٤٨٦)، وابن أبي شيبة في المصنف (٢٥٧٠٦) و (٣٤٥٣٨)، وابن المنذر في الأوسط ٢/ ٣١٨ (٧٧٣)، والبيهقي في الكبرى ٧/ ٤٣٧ من طريق أيوب السختياني، به.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٤٨٩٩) من طريق سفيان الثوري به.

<<  <  ج: ص:  >  >>