للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستعمالِه، كالمرسَلِ الذي اختُلفَ في الحكم به وقَبُولِه في كلِّ أحوالِه، بل نقولُ: إنَّ للمُسْنَدِ مَزِيَّةَ فَضْل؛ لمَوْضِع الاتِّفاقِ، وسكُونِ النفْسِ إلى كثرةِ القائلين به، وإن كان المرسَلُ يجبُ أيضًا العملُ به. وشُبِّه ذلك مِن مذهبِه بالشُّهودِ يكونُ بعضُهم أفضَلَ حالًا مِن بعضٍ وأقْعَد، وأتمَّ معرِفةً، وأكثرَ عددًا، وإن كان البعضُ عَدْلِينَ (١) جائِزي الشَّهادة، وكِلَا الوجهَين يُوجِبُ العملَ ولا يَقْطَعُ العُذْرَ.

وممَّن كان يقولُ هذا، أبو عبدِ اللَّه محمدُ بنُ أحمدَ بنِ إسحاقَ بنِ خُوَيْز مَنْدادَ (٢) البَصْرِيُّ المالكي (٣)، وأمّا أبو حنيفةَ وأصحابُه فإنَّهم يقبلُونَ المرسلَ، ولا يَرُدُّونه إلا بما يرُدُّون به المُسْنَدَ من التَّأويلِ والاعتِلال، على أصولهم في ذلك (٤). وقال سائرُ أهلِ الفقه، وجماعةُ أصحابِ الحديثِ في كلِّ الأمصارِ فيما علِمتُ: الانقطاعُ في الأثَرِ عِلَّة تمنعُ مِن وجوبِ العملِ به (٥)، وسواءٌ عارضَه خبرٌ مُتَّصِل أمْ لا. وقالوا: إذا اتصَل خبرٌ، وعارضَه خبرٌ مُنقطِع، لم يُعَرَّجْ على المُنقَطِع مع المُتَّصلِ، وكان المصيرُ إلى المُتَّصلِ دُونَه.


(١) هكذا في الأصل، وهو جمع عدل، كما يفهم من السياق، وليس واردًا في معاجم العربية، والمشهور: أعدالٌ وعدول.
(٢) جوّد الذهبي ضبطه بخطه في تاريخ الإسلام.
(٣) ترجمته في ترتيب المدارك ٧/ ٧٧ - ٧٨، وتاريخ الإسلام ٨/ ٦٨٠، وفي اسم جده اختلاف، فيقال: محمد بن أحمد بن عبد اللَّه، ويقال: محمد بن أحمد بن علي.
(٤) الاحتجاج بالمراسيل مقيد عند الأحناف بمراسيل أهل القرون الثلاثة الأولى إن كان المرسِلُ ممن يرسل عن الثقات، صحح هذا القول الجصاص وقال: إن هذا ما يدل عليه مذهب الأحناف (الفصول ٣/ ١٤٥ - ١٤٧)، ونقل السرخسي قول الجصاص ونصره في أصوله ١/ ٣٦٣، وهذا مذهب البزدوي وأكثر المتأخرين من الحنفية (جامع التحصيل للعلائي، ص ٢٠).
(٥) قال العلائي في جامع التحصيل، ص ٢٢، بعد نقله كلام ابن عبد البر: "وهو الذي عليه جمهور أهل الحديث أو كلهم"، ثم عزاه لابن مهدي والقطان وابن المديني ولأبي خيثمة وابن معين وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>