للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخبَرناه أنَّ بأرضِنا بِيعةً لنا. فذكَر الحديثَ، وفيه: "فإذا أتيتُم أرضَكم، فاكسِروا بِيَعَتَكم، واتَّخِذوها مَسجدًا". مختصرًا.

وأجمعَ العلماءُ على أنَّ التيمُّمَ على مقبر المشركين إذا كان الموضعُ طيِّبًا طاهرًا نظيفًا، جائزٌ. وكذلك أجمَعوا على أنَّ مَن صلَّى في كنيسةٍ أو بِيعةٍ في موضع طاهر، أنَّ صلاتَه ماضيةٌ جائزةٌ. وقد كَرِه جماعةٌ مِن الفقهاء الصلاةَ في المقبرة، سواءٌ كانت لمسلمين أو مشركين؛ للأحاديثِ المعلولةِ التي ذكَرنا، ولحديثِ أبى هريرةَ، أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صلُّوا في بيوتِكم ولا تتَّخذُوها قبورًا" (١). ولحديثِ واثِلَةَ بنِ الأسقع، عن أبى مَرثدٍ الغَنَويِّ، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "لا تُصلُّوا إلى القبورِ، ولا تَجلِسوا عليها" (٢). وهذان حديثان ثابتان مِن جهةِ الإسنادِ، ولا حُجَّةَ فيهما؛ لأنَّهما محُتَمِلانِ للتأويلِ، ولا يجوزُ أنْ يُمتنَعَ مِن الصلاةِ في كلِّ موضع طاهرٍ إلَّا بدليلٍ لا يَحتمِلُ تأويلًا. ومِمَّن كَرِه الصلاةَ في المقبرةِ؛ الثَّوريُّ، وأبو حنيفةَ، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ، وأصحابُهم. وقال الثّوريُّ: إنْ صلَّى في المقبرةِ لم يُعِدْ. وقال الشافعيُّ: إنْ صلَّى أحدٌ في المقبر، في موضع ليس فيه نجاسةٌ، أجزأه. ولم يُفرِّقْ أحدٌ مِن فقهاء المسلمين بينَ مقبُرةِ المسلمينَ والمشركينَ، إلَّا ما حَكَينا مِن خَطَلِ القولِ الذي لا يُشتَغلُ بمثلِه، ولا وجهَ له في نظرٍ، ولا في صحيحِ


(١) إنما يُروى بهذا اللفظ من حديث ابن عمر، أخرجه البخاري (١١٨٧)، ومسلم (٧٧٧) من حديث نافع عنه.
وأمّا حديث أبي هريرة فإنه يروى بلفظ: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يَّفِرُّ من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة" أخرجه أحمد في المسند ١٣/ ٢٢٤ (٧٨٢١)، ومسلم (٧٨٠) من رواية أبي صالح عنه.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٢٨/ ٤٥٠ (١٧٢١٥) و ٢٨/ ٤٥١ (١٧٢١٦)، ومسلم (٩٧٢) وأبو داود (٣٢٢٩)، والترمذي (١٠٥٠)، والنسائي في المجتبى (٧٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>