للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثرٍ؛ لأنَّ مَن كرِه الصلاةَ في المقبرةِ، كَرِهها في كلِّ مقبرةٍ على ظاهرِ الحديثِ وعُمومِه، ومَن أباحَ الصلاةَ فيها، دَفَع ذلك بما ذكَرْنا مِن التأويلِ والاعتلالِ. وقد بنَى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مسجدَه في مقبرة المشركين.

حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمدِ بنِ أسدٍ، قال: حدَّثنا سعيدُ بنُ عثمانَ بنِ السَّكنِ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ يوسفَ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ إسماعيلَ البُخاريُّ (١). وحدَّثنا عبدُ الله بنُ محمدِ بنِ عبدِ المؤمنِ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ (٢)، قالا جميعًا: حدَّثنا مسدَّدٌ، قال: حدَّثنا عبدُ الوارِثِ، عن أبي التَّيَّاحِ، عن أنسِ بنِ مالكٍ -المعنَى واحدٌ، واللفظُ مُتقاربٌ- قال: قدِم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ، فنزَل أعلَى المدينةِ، في حيٍّ يُقالُ لهم: بنو عمرِو بنِ عوفٍ، فأقام فيها أربعَ عشْرةَ ليلةً، ئم أرسل إلى بني النَّجَّارِ، فجاؤوا مُتقلِّدينَ بسُيوفِهم (٣). قال أنسٌ: فكأنِّي أنظُرُ إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- على راحِلتِه، وأبو بكرٍ رِدفَه، ومَلأُ بني النجَّارِ حولَه، حتى ألقَى بفِناء أبي أيُّوبَ (٤)، وكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُصلِّي حيثُ أدرَكَته الصلاةُ، ويُصلِّي في مَرابضِ الغنمِ، وأنَّه أمَر ببناء المسجدِ، فأرسَل إلى بني النَّجَّارِ، فقال: "يا بني النجَّارِ، ثامِنُوني (٥) بحائطِكم هذا". فقالوا: والله لا نطلُبُ ثمنَه إلَّا إلى الله عزَّ وجلَّ. قال أنسٌ: فكان فيه ما أقولُ لكم؛ كانت فيه قبورُ المشركين، وخِرَبٌ، ونخلٌ، فأمَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بقبورِ المُشرِكينَ فنُبشَتْ، وبالنخلِ فقُطِع، وبالخِرَبِ فسُوِّيت، فصَفُّوا النَّخلَ قِبلَةَ المَسجِدِ، وجعَلوا


(١) في صحيحه (٤٢٨).
(٢) في سننه (٤٥٣). وهو عند البغوي في شرح السّنة من طريق محمد بن يوسف الفِرَبري، به.
(٣) في ق: "متقلدي سيوفهم".
(٤) معنى ألْقى هنا: نزل، أو ألْقى رَحْلَه، وفناءُ الدار: ما امتدَّ من جوانبها؛ قاله العيني في عمدة القارى ١٧/ ٦٥.
(٥) قوله: "ثامِنُوني" أي: عَيِّنُوا لي ثمنَه، أو: ساوِمُوني بثمنه، المصدر السابق ١٧/ ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>