للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا حُمِل إلى قبرِه سار معه، فإذا أُلْحِدَ ووُرِيَ في الترابِ، أعاد اللهُ نَفْسَه حتّى يُخاطبَه المَلَكانِ، فإذا ولَّيا عنه مُنصَرِفَينِ، اختلَع المَلَكُ نفسَه، فرمَى بها إلى حيثُ أُمِرَ، وهذا الملَكُ مِن أعوانَ ملَكِ الموتِ. قال أبو إسحاقَ: هذا معنى قولِ عبيدِ الله بنِ أبي جعفرٍ، وقد قاله معه غيرُه.

قال أبو عُمر: قد قالتِ العلماءُ بما وصَفنا، واللهُ أعلمُ بالصَّحيحِ مِن ذلك، وما احتجَّ به القومُ فليس حجةً واضحةً، ولا هو مما يُقطعُ بصحَّتِه؛ لأنَّه ليس فيه خبرٌ صحيحٌ يقطَعُ العُذْرَ ويُوجبُ الحُجَّةَ (١)، ولا هو مما يُدرَكُ بقياسٍ ولا استنباطٍ، بل العقولُ تنحَسِرُ وتَعْجِزُ عن علم ذلك.

وقد قال جماعةٌ مِن العلماءِ في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥]. أنَّه هذا الروحُ المشارُ إليه في هذا البابِ بالذِّكرِ؛ رُوحُ الحياةِ. وقال غيرُهم: إنَّه ملَكٌ مِن المَلائكةِ، يقومُ صفًّا، وتقومُ الملائكةُ صفًّا. فكيف يُتعاطى علمُ شيءٍ استأْثر اللهُ به، ولم يُطلِعْ عليه رسولَه -صلى الله عليه وسلم-؟ وقد قيل في الروحِ المذكورِ (٢) في هذه الآيةِ: إنَّه جبريلُ عليه السلامُ. وقيل: هم خَلْقٌ مِن خَلِق الله. وقيل غيرُ ذلك (٣) (٤).

وكذلك اختُلِف في الذين عُنوا بقولِه: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، فقيل: أراد اليهودَ السائلين عن الرُّوح؛ لأنَّهم زعَموا أنَّ في التوراةِ عِلمَ كلِّ شيءٍ، فأنزلَ اللهُ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ


(١) قوله: "ويوجب الحجة" لم يرد في ق.
(٢) قوله: "في الروح المذكور" لم يرد في ق.
(٣) قوله: "وقيل غير ذلك" لم يرد في د ١، وهو ثابت في بقية النسخ.
(٤) أخرج جملة هذه الأقوال وغيرها عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٣١٣ - ٣١٤، وابن جرير الطبري في تفسيره ١٧/ ١٦٥ - ١٦٦ و ١٧/ ٥٤٤ - ٥٤٥ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما وعن غيره من أهل التأويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>