الحكَمُ بنُ محمدٍ الظَّفَرِيُّ، عن إسماعيلَ بنِ عبدِ الكريم، عن عبدِ الصَّمدِ بنِ مَعقِل، عن وَهْبِ بنِ مُنبِّهٍ، قال: إنَّ أنفُسَ الآدميِّينَ كأنفُسِ الدوابِّ التي تشتَهي وتدعو إلى الشرِّ، ومَسكَنُ النفْسِ البَطنُ، إلَّا أنَّ الإنسانَ فُضِّل بالرُّوحِ، ومسكَنُه الدِّماغُ، فبِه يستَحيي الإنسانُ، وهو يَدعو إلى الخيرِ ويأمُرُ به. ثم نفَخ وَهْبٌ على يَدِه، فقال: هذا باردٌ، وهو مِن الرُّوحِ. ثم تنهَّد على يدِه فقال: هذا حارٌّ، وهو مِن النَّفْسِ، ومَثَلُهما كمَثَلِ الرَّجُلِ وزَوجَتِه، فإذا انحدَر الروحُ إلى النفسِ والتقَيا، نامَ الإنسانُ، فإذا استيقظَ، رجَع الرُّوحُ إلى مكانِه، ويُعتبرُ ذلك بأنَّك إذا كنتَ نائمًا فاستيقظتَ، كان كلُّ شيءٍ يبدُرُ إلى رأسِك (١).
وذكَر أبو إسحاقَ محمدُ بنُ القاسم بنِ شعبانَ، أنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ القاسم بنِ خالدٍ صاحبَ مالكٍ قال: النفسُ جسَدٌ مُجسَّدٌ، كخَلقِ الإنسانِ، والرُّوحُ كالماءِ الجارِي. قال: واحتَجَّ بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} الآية. وقال: ألا ترى أنَّ النائمَ قد توفَّى اللهُ نفسَه، ورُوحُه صاعدٌ ونازلٌ، وأنفاسُه قِيامٌ، والنفسُ تَسرَحُ في كلِّ وادٍ، وترَى ما تراه مِن الرؤيا، فإذا أذِن اللهُ في ردِّها إلى الجسدِ عادت، واستيقظَ بعَوْدتِها جميعُ أعضاءِ الجسَدِ، وحرَّك السَّمعَ والبَصَرَ وغيرَهما مِن الأعضاءِ.
قال: فالنفسُ غيرُ الرُّوحِ، والرُّوحُ كالماءِ الجارِي في الجِنانِ، فإذا أراد اللهُ إفسادَ ذلك البُستانِ، منَع منه الماءَ الجاريَ فيه، فماتت حياتُه، فكذلك الإنسانُ. قال أبو إسحاقَ: هذا معنى قولِ ابنِ القاسم وإن لم يكنْ نَسَقَ لفظِه.
قال أبو إسحاقَ: وقال عبيدُ الله بنُ أبي جعفرٍ: إذا حُمِل المَيِّتُ على السَّريرِ، كانت نفسُه بيدِ مَلَكٍ من الملائكةِ، يسيرُ بها معه، فإذا وُضِع للصلاةِ عليه وَقَف،
(١) أخرجه أبو الشيخ في العَظَمة ٥/ ١٦٢٧ من طريق إسماعيل بن عبد الكريم، به. وأورده السيوطي في شرح الصدور بشرح (١٠) وعزاه لأبي الشيخ في العظمة ولابن عبد البر في التمهيد.