للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّ المعالجةَ إنَّما هي لِتطيبَ نفسُ العليلِ، وتأنسَ بالعلاجِ، ورجاءَ أن يكونَ من أسبابِ الشِّفاءِ؛ كالتَّسبُّبِ لطلبِ الرِّزقِ الذي قد فُرغ منه.

وفي قولِه -صلى الله عليه وسلم-: "أنزَل الدَّواءَ الذي أنزَل الأدواءَ" دليلٌ على أنَّ البُرءَ ليس في وُسعِ مخلوقٍ أن يُعجِّلَه قبلَ أنْ يَنْزِلَ، ويُقدِّرَ وقتَه وحِينَه، وقد رأينا المُنتَسبِينَ إلى علم الطِّبِّ (١) يُعالِجُ أحدُهم رجلَينِ، وهو يزعُمُ أنَّ علَّتَهما واحدةٌ، في زمنٍ واحدٍ، وسِنٍّ واحدٍ، وبلدٍ واحدٍ، وربَّما كانا أخوَين توأمَين، غِذاؤُهما واحدٌ، فعالجَهما بعلاج واحدٍ، فيُفيقُ أحدُهما، ويموتُ الآخَرُ، أو تطولُ علَّتُه ثم يُفيقُ عندَ الأمدِ المقدورِ له.

واختلَف العلماءُ في هذا البابِ، فذهَب منهم طائفةٌ إلى كراهيةِ الرُّقَى والمعالجةِ، قالوا: الواجبُ على المؤمنِ أن يترُكَ ذلك، اعتصامًا بالله تعالى، وتوكُّلًا عليه، وثقةً به، وانقطاعًا إليه، وعلمًا بأنَّ الرُّقيةَ لا تنفَعُه، وأنَّ تركَها لا يضُرُّه، إذْ قد عَلِم اللهُ أيامَ الصِّحةِ وأيامَ المَرضِ (٢)، فلا تزيدُ هذه بالرُّقَى والعلاجاتِ، ولا تنقُصُ تلك بتركِ السَّعي والاحتيالاتِ، لكلِّ صنفٍ من ذلك زمنٌ قد علِمه اللهُ، ووقتٌ قد قدَّرَه قبلَ أنْ يَخلُقَ الخلقَ، فلو حرَص الخلقُ على تقليل أيَّام المرضِ وزمنِ الدَّاءِ، أو على تكثيرِ أيَّام الصِّحَّةِ، ما قدَروا على ذلك، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: ٢٢].

واحتجُّوا بما حدَّثنا سعيدُ بنُ نصرٍ، قال: حدَّثنا قاسمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ وضَّاحٍ، قال: حدَّثنا أبو بكرٍ بنُ أبي شيبةَ (٣)، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ فُضيلٍ،


(١) في د ١: "الكتب"، وهو تحريف.
(٢) في ق، ج، م: "أيام المرض وأيام الصحة"، والمثبت من د ١.
(٣) في المصنَّف له (٢٤٠٨٨)، وأخرجه البخاري (٥٧٠٥) و (٦٥٤١)، ومسلم (٢٢٠) من طرقٍ عن محمد بن فُضيل به.

<<  <  ج: ص:  >  >>