للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أبي يوسفَ: أنَّه كان يُنكِرُ الحديثَ الذي رُوِيَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ردَّ السَّلامَ بعضُ القوم أجزَأ عن الجميع (١) ". وقال: لا يُجزئُ إلَّا أن يردُّوا جميعًا. قال أبو جعفرٍ: ولا نعلَمُ في هذا البابِ شيئًا رُوِيَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- غيرَ حديثِ مالكٍ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، وشيءٍ رُوِيَ فيه عن أبي النضرِ مولى عمرَ بنِ عبيدِ الله، عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-. وكلا الوجهَين لا يُحتجُّ به. قال: وحديثُ زيدِ بنِ أسلمَ إنَّما فيه: "إذا سلَّم مِن القوم واحدٌ أجزَأ عنهم". قال: وإنَّما هو ابتداءُ السلام، وابتداءُ السلام خِلافُ ردِّ السلام؛ لأنَّ السلامَ المبتدَأ تطوُّعٌ، وردُّه فريضةٌ. قال: وليس هو مِن الفروضِ التي هي (٢) على الكفاية؛ لأنَّه لو كان مع القوم نصرانيٌّ، فردَّ النصرانيُّ دونَ أحدِ من المسلمين، لَمْ يُسقِطْ ذلك عنهم فرضَ السلامِ، فدلَّ على أنَّ فرضَ السَّلام مِن الفروضِ المتعيّنةِ التي تلزمُ كلَّ إنسانٍ بنفسِه.

قال أبو عُمر: أمَّا قولُه: إنَّ حديثَ زيدِ بنِ أسلمَ هذا معناه الابتداءُ. فغيرُ مُسلَّم له ما ادَّعاه مِن ذلك، وظاهرُ الحديثِ يدُلُّ على خلافِ ما تأوَّلَ فيه، وذلك قولُه: " أجزَأ عنهم"؛ لأنَّه لا يقالُ: أجزأ عنهم. إلَّا فيما قد وجَب عليهم، والابتداءُ بالسَّلام ليس بواجبٍ عندَ الجميع، ولكنَّه سنَّةٌ وخيرٌ وأدبٌ، والرَّدُّ واجبٌ عندَ جميعِهم، فاستبان بقولِه: "أجزَأ عنهم": أنَّه أراد بالحديثِ الرَّدَّ، واللّهُ أعلمُ. هذا وجهُ الحديثِ، فبطَل تأويلُ الطحاويِّ، وصحَّ ما ذهَب إليه فقهاءُ الحجازِ.

وأمَّا قولُه: فإنَّه لا يُروَى في هذا غيرُ حديثِ زيدِ بنِ أسلمَ، وحديثِ أبي النَّضرِ، وهما منقطعانِ. فليس كما قال عندَنا، وقد رُوِّينا بإسنادٍ مُتَّصلٍ مِن حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، معنى ما ذهَب إليه مالكٌ، والشافعيُّ، ومَن قال بقولِهم.


(١) في خ: "عنهم"، والمثبت من ق، د ١، ج.
(٢) سقطت من م وبعض النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>