للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر: قد كان مالكٌ رحِمه اللهُ يكرهُ حلقَ القَفَا (١)، وما أدْري إن كان كَرِهَه مع حلقِ الرأسِ أو مُفرَدًا؟ وهذا ليس من شرائع الأحكام، ولا من الحلالِ والحرام، والقولُ في حلقِ الرأسِ يُغني عن القولِ في حلقِ القفَا، والقولُ في ذلك واحدٌ عندَ العلماء، واللهُ أعلمُ. وقد يجوزُ أن تكونَ كراهيةُ مالكٍ لحلقِ القَفَا، هو أن يرفَعَ في حَلْقِه حتى يحلِقَ بعضَ مُؤخَّرِ الرأسِ على ما تَصنعُه الرُّومُ، وهذا تَشَبُّهٌ؛ لأنّا قد رُوِّينا عن مالكٍ أنّه قال: أوَّلُ مَن حلَق قفَاه عندَنا دراقسُ النصرانيُّ.

قال أبو عمر: قد حلَق الناسُ رُؤوسَهم وتَقصَّصوا، وعرفوا كيف ذلك قرنًا بعدَ قرنٍ من غيرِ نكيرٍ، والحمدُ لله.

قال أبو عمر: صار أهلُ عصرِنا لا يَحبِسُ الشَّعَرَ منهم إلّا الجُنْدُ عندَنا، لهم الجُمَمُ والوَفَراتُ، وأضرَب عنها أهلُ الصَّلاح والسَّترِ والعلم، حتى صار ذلك علامة مِن علاماتِهم، وصارت الجُمَمُ اليومَ عندَنا تكادُ تكونُ علامةَ السُّفَهاءِ. وقد رُويَ عنِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "مَن تَشَبَّهَ بقوم فهو منهم" (٢). أو:


(١) وكذا نقل ابن رشد في البيان والتحصيل ١٧/ ٣٨٩ وبيَّن علَّة ذلك فقال: وأمّا حلقُ القَفا فكَرِهَه مالكٌ؛ إذ لم يَرِدْ في حلقِه أثرٌ يُتَّبع.
(٢) قطعة من حديث أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف (١٩٧٤٧) و (٣٣٦٨٧) وعبد بن حميد في المنتخب (٨٤٨)، وأحمد في المسند ٩/ ١٢٣ (٥١١٤) و ٩/ ١٢٦ (٥١١٥)، وأبو داود (٤٠٣١)، وابن الأعرابي في معجمه (١١٠٤)، والطبراني في مسند الشاميين (٢١٦)، والبيهقي في الشعب (١١٩٩) من طرقٍ عن عبد الرحمن بن ثابت، عن حسّان بن عطية عن أبي منيب الجُرَشي -الدمشقي الأحدب- عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار ١/ ٢١٣ (٢٣١) من طريق الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن حسّان بن عطية، به.
وإسناده ضعيف، عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العيني صدوق حسن الحديث ولكن هذا الحديث من منكراته، فقد وثَّقه أبو حاتم الرازي ودُحيم وعبد الرحمن بن صالح وعمرو بن عليّ كما في تحرير التقريب (٣٨٢٠) وضعّفه آخرون، وأورده الحافظ ابن حجر في الفتح ١٠/ ٢٧١ وقال: أخرجه أبو داود بإسناد حسن. هكذا قال رحمه الله وفي متنه نكارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>