للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"حُشِر معهم" (١). فقيل: مَن تَشَبَّه بهم في أفعالهم. وقيل: مَن تَشَبَّه بهم في هيئاتِهم. وحَسبُكَ بهذا، فهو مُجمَلٌ في القتداء بهَدْي الصَّالحين على أيِّ حالٍ كانوا. والشَّعَرُ والحلْقُ لا يُغنيانِ يومَ القيامةِ شيئًا، وإنَّما المجازاةُ على النِّياتِ والأعمال، فرُبَّ محلوقٍ خيرٌ مِن ذي شَعَر، ورُبَّ ذي شَعَرٍ رَجُلًا صالحًا. وقد كان التَّختُّمُ في اليمينِ مُباحًا حسَنًا؛ لأنّه قد تختَّم به جماعةٌ من السَّلَفِ في اليمينِ، كما تختَّم منهم جماعةٌ في الشِّمال، وقد رُويَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- الوجهان جميعًا (٢)، فلمَّا غَلَبَتِ


(١) أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في الأوسط ٦/ ٢٩٣ (٦٤٥٠)، وفي الصغير ٢/ ١١٤ (٨٧٤) من طريق محمد بن ميمون الخياط البزار عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عليٍّ رضي الله عنه عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-. وقال: "لم يروه عن إسماعيل بن أبي خالد إلا ابن عيينة، تفرد به محمد بن ميمون. قلنا: ومحمد بن ميمون ضعيف عند التفرد، قال أبو حاتم كما في تحرير التقريب (٦٣٤٥): "كان أُميًّا مغفَّلًا، وقال النسائي: صالح، وقال مرّةً: ليس بالقويّ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربّما وَهِمَ". قلنا: ويغني عن هذين الحديثين ما ثبت من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "المرءُ مع مَن أحبَّ" وهو في الصحيحين من حديثٌ أبي وائل شقيق بن سلمة عن ابن مسعود رضي الله عنه، البخاري (٦١٨)، ومسلم (٢٦٤٠)، ويُروى بلفظ "أنت مع من أحببتَ" أخرجه البخاري (٣٦٨٨) ومسلم (٢٦٣٩) من حديثٌ ثابتٍ البُناني عن أنس رضي الله عنه، وفي آخره قال أنس: فما فرحنا بشيءٍ فَرَحَنا بقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أنت مع من أحببت" قال: "فأنا أُحِبُّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكرٍ وعمرَ، وأرجو أن أكون معهم بحبِّي إيّاهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم".
(٢) فقد روى أحمد في مسنده ٣/ ٢٧٥ (١٧٤٦) و ٣/ ٨٢ (١٧٥٥)، والترمذي (١٧٤٤) من طرقٍ عن حماد بن سلمة، قال: رأيت ابن أبي رافع يتختَّم في يمينه فسألته عن ذلك، فقال: رأيت عبد الله بن جعفر يتختَّم في يمينه وقال: كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يتختَّم في يمينه، قال الترمذي فيما نقله عن البخاري: هذا أصحُّ شيءٍ رُوي عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب.
وقد وقع عند أبي داود (٤٢٢٧) ذكر الوجهين في تختُّمه -صلى الله عليه وسلم- وذلك فيما أخرجه بإسناد صحيح من طريق عبد العزيز بن أبي روّاد عن نافع عن ابن عمر: أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يتختَّم في يساره، وكان فصُّه في باطن كفِّه. قال أبو داود: قال ابن إسحاق وأسامة يعني -ابن زيد- عن نافع بإسناده: "في يمينه" قلنا: وذكر اليمين شاذ، والمحفوظ: في يساره.

<<  <  ج: ص:  >  >>