للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يجعَلْ له مخرجًا، إنْ سلَّمَه اللهُ مِن قتلِ فُلانٍ، أو مِن شُرب الخمرِ، فعليه أنْ يفيَ بنذرِه، وكلُّ نذرٍ لا مخرَجَ له ولا نيَّةَ لصاحبِه، فكفَّارتُه كفّارةُ يمين، ثبَتتْ بذلك السُّنَّة، وعلى ذلك جُمهورُ عُلماءِ الأمَّةِ، فأغنَى عن الإكثارِ فيه، وقد ذكرناه مُجوَّدًا في بابِ ابنِ شهابٍ، عن عُبيدِ الله بنِ عبدِ الله، والحمدُ لله. وقد أثنَى اللهُ تعالى على قومٍ كانوا يُوفونَ بالنَّذرِ ويخافونَ يومًا كان شرُّه مُستطيرًا (١).

ومن نذرَ ما لا معصيةَ فيه ولاطاعةَ، فقد اختلَفَ الفقهاءُ في ذلك؛ فقال قومٌ: واجبٌ عليه الإتيانُ بذلك؛ لأنّه مُباحٌ.

وقال آخرون: لا يجبُ عليه من النَّذرِ إلّا ما كان لله فيه طاعةٌ. وقصَّةُ أبي إسرائيلَ مِن حديثِ جابرٍ وابنِ عباسٍ تدُلُّ على صحَّةِ هذا القولِ، وقد ذكرنا ذلك في بابِ ثورِ بنِ زيدٍ مِن كتابِنا هذا (٢)، وبالله تعالى التوفيقُ.

قال أبو عمر (٣): لم يفُتْ يحيَى بنَ يحيَى في "الموطأ" حديث مِن أحاديثِ الأحكام ممَّا رواه غيرُه في "الموطأ" إلّا حديثَ طلحةَ بنِ عبدِ الملكِ هذا، وسائرُ ما رواه غيرُه من الأحاديثِ في "الموطأ" إنَّما هي أحاديثُ مِن أحاديثِ الجامع ونحوِه، ليسَتْ في أحكام، وأكثرُها أو كلُّها معلولةٌ، مُختلَفٌ فيها عن مالكٍ، وقد تُوبمَ يحيىَ، تابعَه جماعةٌ مِن رُواةِ "الموطأ" على سُقوطِ كلِّ ما أسقطَ مِن تلك الأحاديثِ مِن "الموطأ"، إلّا حديثَ طلحةَ هذا وحدَه، وما عداه فقد تابعَه على سُقوطِه مِن "الموطأ" قومٌ، وخالفَه آخرونَ، وقد ذكرنا ذلك في آخرِ هذا البابِ، ويحيىَ آخرُهم عَرْضًا، وما سقَط مِن روايته فعن اختيارِ مالكٍ وتمحيصِه، واللهُ أعلمُ (٤).


(١) إشارة إلى الآية السابعة من سورة الإنسان.
(٢) سلفت قصَّته عند الحديث الرابع لثور بن زيد.
(٣) هذه الفقرة بتمامها لم ترد في ق، د ١، وهي ثابتة في ج، وقد أبقينا عليها في المتن لقوله في أولها: "قال أبو عمر"، فلعله مما زاده بأخرة، والله أعلم.
(٤) إلى هنا ينتهي المجلد البغدادي الذي رمزنا له: ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>