للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلبَ المشقَّةِ: فليحُجَّ غيرَ حاملٍ شيئًا، ويُهدِي. فقد أنكروا عليه إيجابَ الهدي في هذا ومثلِه، وقد مضَى القولُ في هذه المسألةِ في بابِ ثورِ بنِ زيدٍ، والحمدُ لله.

وقد اختلَف الصحابةُ والتَّابعونَ وسائرُ الفقهاءِ في مسائلَ مِن هذا الباب، نحوَ قولِ الإنسان: عليَّ نَذْرٌ أنْ أنحَرَ ابني عندَ مقام إبراهيمَ. وما أشبَهَ ذلك، واختلَفَ أيضًا فيه قولُ مالك، والذي يُوجِبُه ظاهرُ هذا الحديثِ أنْ لا شيء عليه، وهو الصوابُ مِن القولِ في ذلك (١)، واللهُ أعلمُ (٢).

وأمَّا من نذَر شيئًا لله فيه طاعةٌ، فواجبٌ عليه الإتيانُ به؛ كالصلاةِ، والصِّيام، والصدقةِ، والعتق، وما أشبَهَ ذلك مِن طاعةِ الله، وهذا ما لا خلافَ بينَ عُلماء المسلمينَ فيه. ويشُدُّ ذلك قولُ الله عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:١]. وتأويلُ ذلك: العقودُ التي لا معصيةَ فيها؛ لبيانِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فمَن قال: لله عليَّ نذرٌ إنْ لم أشربِ الخمرَ ولم أقتُلْ فُلانًا: فإنَّما هو رجلٌ نذَرَ نذرًا


(١) الصواب عند من أخذ بظاهر حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: "ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصِه" فظاهر هذا أنه لا يلزم النَّذر بالعصيان، وعليه فلا كفّارة فيه، وإلّا فقد ذهب آخرون كأبي حنيفة وفقهاء الكونة بخلاف ذلك وأوجبوا الكفّارة جمعًا بين ظواهر الأحاديث كما أسلفنا توضيح ذلك قريبًا، وفي هذا أيضًا قال ابن قدامة في المغني ١٠/ ٥ في سياق تعليقه على قول الخِرَقيّ وإيراده لحديث "من نذر أن يعصيَ الله فلا يعصه" قال: "ولأنَّ معصية الله تعالى لا تَحِلُّ في حالٍ، ويجبُ على الناذر كفّارةُ يمين. رُويَ نحو هذا عن ابن مسعود وابن عباس وجابرٍ، وعمران بنِ حُصينٍ وسمُرة بن جُندب. وبه قال الثَّوريُّ، وأبو حنيفة، وأصحابُه"، ثم إنه ذهب إلى أبعَدَ من ذلك فقال: "ولأنَّ النَّذْرَ يمين ... " وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأختِ عُقبة لما نذرتِ المشيَ إلى بيت الله الحرام فلم تُطِقْهُ: "تُكفِّر يمينها" صحيح أخرجه أبو داود. وفي رواية "ولتَصُمْ ثلاثة أيام" قال أحمد: إليه أذهبُ. وقال ابن عباس في التي نَذرتْ ذبحَ ابنِها: كفِّري عن يمينكِ. ولو حلف على فعل معصيةٍ: لزِمتْهُ الكفّارة، فكذلك إذا نَذَرها؛ وعلى هذا يظهر أن قول المصنِّف هنا "وهو الصواب من القول في ذلك". إنما هو على مقتضي مذهب فريقٍ واحدٍ مع إغفال ذكر حجّة الفريق الآخر، والله تعالى أعلم.
(٢) بعد هذا في ج: "وسنذكر اختلاف العلماء في هذا الباب، وحجة كل فرقة منهم إن شاء الله في غيرِ هذا الموضع"، ولم ترد في بقية النسخ، فكأن المؤلف حذفها.

<<  <  ج: ص:  >  >>