للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويسُرَّك. فمعنى "تَدابَروا"، و"تَقاطَعوا"، و"تَباغَضوا"، معنًى متداخلٌ متقاربٌ، كالمعنى الواحدِ في النَّدبِ إلى التَّواخي والتَّحابِّ، فبذلك أمَر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في معنَى هذا الحديثِ وغيرِه، وأمرُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- على الوجوبِ حتى يأتيَ دليلٌ يُخرِجُه إلى معنَى النَّدبِ.

وهذا الحديثُ وإن كان ظاهِرُه العمومَ، فهو عندي مخصوصٌ بحديثِ كعبِ بنِ مالكٍ، حيثُ أمَر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه أنْ يَهجُروه ولا يُكلِّموه، هو، وهِلالَ بنَ أُميَّةَ، ومُرارةَ بنَ رَبيعةَ؛ لتَخلُّفِهم عن غزوَةِ تَبوكَ، حتى أنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ توبتَهم وعُذْرَهم، فأمَر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه (١) أن يُراجِعوهم الكلامَ (٢). وفي حديثِ كعبٍ هذا ما دليلٌ (٣) على أنّه جائزٌ أن يهجُرَ المرءُ أخاه إذا بدَتْ "له" منه بِدْعةٌ أو فاحشةٌ، يرجو أن يكونَ هِجرانُه تأديبًا له، وزجرًا عنها، واللهُ أعلم.

وكذلك قولُه أيضًا في هذا الحديثِ: "لا تحاسَدوا" يقتضي النهيَ عن التحاسُدِ، وعن الحسَدِ في كلِّ شيءٍ، على ظاهِرِه وعُمومِه، إلّا أنّه أيضًا عندي مخصوصٌ بقولِه -صلى الله عليه وسلم-: "لا حسَدَ إلّا في اثنتين، رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ، فهو يقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا، فهو يُنفِقُه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ"، هكذا رواه عبدُ الله بنُ عمرَ، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.


(١) قوله: "أصحابه" لم يرد في د ١.
(٢) أخرجه بطوله أحمد في المسند ٢٥/ ٦٦ (١٥٧٨٩)، والبخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩)، وأبو داود (٢٢٠٢) و (٢٧٧٣) و (٣٣١٧) و (٣٣٢٣) و (٤٦٥٠)، والنسائي في المجتبى (٣٤٢٢) و (٣٤٢٤)، وفي الكبرى ٥/ ٢٦٠ (٥٥٨٦) و ٥/ ٢٦٢ (٥٥٨٨) من حديث عبد بن كعب بن مالك، عن أبيه رضي الله عنه.
(٣) في د ١: "ما يدُلُّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>