للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضَربانِ من الناسِ؛ قومٌ رأيُهم القدرُ، فيزيدون عليه ليُنَفِّقوه في الناسِ، وقومٌ في صدورِهم حسدٌ وشنآنٌ وبُغضٌ (١) للحسنِ، فيقولون: أليس يقولُ كذا؟ أليس يقولُ كذا (٢)؟

قال: وحدَّثنا عَفّانُ، قال: حدَّثنا حمّادُ بنُ زيدٍ، عن هشام، قال: سمِعتُ محمدَ بنَ سيرينَ يقولُ: ما حسَدتُ أحدًا شيئًا قطُّ؛ بَرًّا ولا فاجرًا (٣).

قال أبو عمر: تضمَّن حديثُ الزهريِّ عن أنسٍ في هذا البابِ أنّه لا يجوزُ أن يُبْغِضَ المسلمُ أخاه المسلمَ، ولا يُدبِرَ عنه بوجهِه إذا رآه، فإنَّ ذلك من العداوةِ والبغضاءِ، ولا يَقطَعَه بعدَ صحبتِه له في غيرِ جُرْم، أو في جُرْم يُحمَدُ له العفوُ عنه (٤)، ولا يحسُدَه على نعمةِ الله عندَه حسَدًا يُؤذيه به، ولا يُنافسَه في دنياه، وحسْبُه أن يسألَ اللهَ من فضلِه، وهذا كلُّه لا يُنالُ شيءٌ منه إلّا بتوفيقِ الله تعالى. قيل للحسنِ البصريِّ: أيحسُدُ المؤمنُ أخاه؟ فقال: لا أبا لك، أنسيتَ إخوةَ يوسُفَ (٥)؟

وأصلُ التَّحابِّ والتَّوادِّ المذكورِ في السّنَنِ، معناه الحبّ في الله وحدَه تبارَك اسمُه، فهكذا المحبَّةُ بينَ أهلِ الإيمانِ، فإذا كان هكذا، فهو من أوثقِ عُرَى الدينِ، فإن لم يكنْ فلا تكنِ العداوةُ ولا المنافسةُ ولا الحسدُ؛ لأنَّ ذلك كلَّه منهيٌّ عنه.


(١) قوله: "وبغض" لم يرد في د ١.
(٢) إسناده صحيح. أيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني.
وأخرجه أبو داود (٤٦٢٢) ومن طريقه ابن بطة في الإبانة الكبرى (١٦٨٢)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (١٢٥٣) عن سليمان بن حرب وحده، بهذا الإسناد.
(٣) إسناده صحيح. هشام: هو ابن حسان.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٧/ ١٩٦ عن عفان بن مسلم، بهذا الإسناد.
(٤) "عنه" لم يرد في د ١.
(٥) ينظر: عيون الأخبار لابن قتيبة ٢/ ١٢، وبهجة المجالس لابن عبد البر ١/ ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>