للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولمّا كانت موالاةُ أولياءِ الله من أفضلِ أعمالِ البرِّ، كانت معاداةُ أعدائِه كذلك أيضًا، وسيأتي هذا المعنى في بابِ أبي طُوالةَ من هذا الكتابِ إن شاءَ الله.

وأجمَع العلماءُ (١) على أنّه لا يجوزُ للمسلِم أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاثٍ، إلّا أن يكونَ يخافُ من مكالمتِه وصِلَتِه ما يُفسِدُ عليه دينَه، أو يولِّدُ به (٢) على نَفسِه مضرَّةً في دينه أو دُنياه، فإن كان ذلك فقد رُخِّص له في مجانبتِه وبُعدِه، ورُبَّ صَرْم جميلٍ خيرٌ من مخالطةٍ مؤذيَةٍ، قال الشاعِرُ (٣):

إذا ما تقضَّى الوُدُّ إلّا تكاشرًا ... فهجرٌ جميلٌ للفريقينِ صالحُ (٤)

واختلَفوا في المتهاجِرَينِ يُسلِّمُ أحدُهما على صاحبِه، أيُخرِجُه ذلك من الهجرةِ أم لا؟ فروَى ابنُ وَهْبٍ، عن مالكٍ أنّه قال: إذا سلَّم عليه فقد قطَع الهجرةَ (٥). وكأنَّه، واللهُ أعلمُ، أخَذ هذا مِن قولِه -صلى الله عليه وسلم-: "وخيرُهما الذي يبدأُ بالسلام" (٦)، أو من قولِ من قال (٧): يُجزئُ مِن الصَّرْم السَّلام.


(١) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم ١٦/ ١١٧، وفتح الباري لابن حجر ١٠/ ٤٩٥، والمنتقى شرح الموطأ للباجي ٧/ ٢١٥، وكفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني ٢/ ٣٩٤.
(٢) "به" لم يرد في ج.
(٣) قول الشاعر والبيت لم يرد في ج.
(٤) البيت أورده الخرائطي في اعتلال القلوب (٧٦٤) وعزاه لمحمد بن عُبيد الله العُتبيِّ مع خمسة أبيات أخرى، وأورده أبو حيان التوحيدي في كتاب الصداقة والصديق ص ١٥٩.
وقوله فيه: "تكاشرًا" من الكَشْر: وهو التبسُّم. القاموس (كشر).
(٥) كما في شرح صحيح البخاري لابن بطّال ٩/ ٢٧٠، وينظر المنتقى شرح الموطأ للباجي ٧/ ٢١٥.
(٦) أخرجه مالك في الموطأ (٢٦٣٨) عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري، ومن طريق مالك أخرجه أحمد في المسند ٣٨/ ٥٥٧ (٢٣٥٨٤)، والبخاري (٦٠٧٧)، ومسلم (٢٥٦٠).
(٧) هو الحسن البصري، أخرجه عنه بإسناده يعقوب بن سفيان في مشيخته (١٧)، والعقيلي في الضعفاء ٢/ ٩١، وابن عدي في الكامل ٤/ ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>