للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خلافِ ذلك (١). ذكَر أبو المُصعبِ، عن مالكٍ في "مختَصرِه"، قال: لا يَؤُمُّ الناسَ أحدٌ قاعدًا، فإنْ أمَّهم قاعدًا فسَدت صلاتُه وصلاتُهم؛ لأنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَؤُمَّنَّ أحدٌ بعدي قاعدًا" (٢). قال: فإن كان الإمامُ عليلًا تمَّتْ صلاةُ


(١) وكذا قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ٣/ ٢١٨ بعد أن نقل رواية الوليد بن مسلم عن مالك، قال: "وهذه الرِّواية غريبة عن مالكٍ، وقال بذلك جماعةٌ من أهل المدينةِ وغيرُهم، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى: لأنّها آخر صلاةٍ صلّاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "والمشهورُ عن مالكٍ: أنّه لا يَؤُمُّ القُيّامَ أحدٌ جالسًا، فإن أمَّهُم قاعدًا بطلت صلاتُه وصلاتُهم".
وكذا نقل هذه الرواية -يعني رواية الوليد بن مسلم عن مالك- ابن رجبٍ الحنبليُّ في فتح الباري له ٦/ ١٢٢، وقال: وهي رواية غريبة عن مالك، ومذهبُه عند أصحابِه: أنّه لا يجوز ائتمامُ القائم بالجالس.
قلنا: والحقُّ فيما ذهب إليه من استغراب هذه الرواية عن مالك، فإنّ الوليد بن مسلم وهو أبو العباس الدِّمشقي مولى بني أميّة وإن كانت له رواية عن مالك إلّا أنه لا يقدَّم على أصحاب مالكٍ المعروفين الذين لم يثبت عن أحدٍ منهم ما رواه الوليد بن مسلم هنا، وقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى تضعيف مثل هذه الروايات الغريبة الواردة عن غير أصحاب مالك الأثبات، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية فقد قال في مجموع الفتاوى ١/ ٢٢٩ في حكاية حُكيت عن مالك من غير أصحابه: "وأصحاب مالكٍ متَّفقون على أن بمثل هذا النَّقل لا يثبُت عن ماللث قولٌ له في مسألةٍ في الفقه، بل إذا روى عنه الشاميُّون كالوليد بن مسلم ومروان بن محمّد الطاطريِّ ضعَّفوا رواية هؤلاء، وإنّما يعتمدون على رواية المدنييِّن والمصْريِّينَ، فكيف بحكايةٍ تُناقضُ مذهبَه المعروف عنه من وجوهٍ؟! ".
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ٢/ ٤٦٣ (٤٠٨٨)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الموطّأ (١٥٨) كلاهما عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ، عن جابر بن يزيد الجُعفيّ، عن عامرٍ الشَّعبيّ، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمَّنَّ الناس أحدٌ بعدي جالسًا". وقال عبد الرزاق بإثره: "وما رأيت الناسَ إلا على الإمام، إذا صلّى قاعدًا صلّى مَنْ خلفَه قُعودًا، وهي سُنّةٌ من غيرِ واحدٍ". وأخرجه ابن المنذر في الأوسط ٤/ ٢٣٨ بإثر الحديث (٢٠٣٧)، والدارقطني في السنن (١٤٨٥)، والبيهقي في الكبرى ٣/ ٨٠ (٥٢٧٨) من طرقٍ عن سفيان الثوريِّ عن جابرٍ الجُعفي، به. وقال الدارقطني: "لم يروه غيرُ جابرٍ الجُعفيُّ عن الشَّعبيّ، وهو متروك، والحديثُ مرسلٌ لا تقوم به حُجّةٌ". وسيذكره ابن عبد البرِّ في الآتي من شرحه قريبًا ناصًّا على تضعيفه بنحو ما قال الدارقطني.

<<  <  ج: ص:  >  >>