للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولِه: "فإذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جُلوسًا" فعُلِم أنَّ الآخِرَ مِن فِعلِه ناسِخٌ للأوَّلِ (١)، فإنَّهم ما قامُوا خلفَه وهو جالسٌ إلّا لعلْمِهم بأنَّه قد نُسِخ ذلك بفعلِه -صلى الله عليه وسلم-، والدَّليلُ على أنَّ حديثَ هذا البابِ منسوخٌ بما كان منه في مرَضِه -صلى الله عليه وسلم-: إجماعُ العلماء على أنَّ حكمَ القيامِ في الصلاةِ على الإيجابِ لا على التَّخييرِ، ولما أجمَعوا على أنَّ القيامَ في الصلاةِ لم يكُنْ فرضُه قطُّ على التَّخيير، وجَب طلبُ الدَّليلِ على النَّسخ في ذلك، وقد صَحَّ أنَّ صلاةَ أبي بكرٍ والناسِ خلفَه قيامًا، وهو قاعدٌ في مرضِه الذي تُوفي فيه، مُتأخِّرٌ عن صلاتِه في حين سُقوطِه عن فَرَسِه، فبَانَ بذلك أنّه ناسِخٌ لذلك. وممَّن ذهَب هذا المذهبَ واحتَجَّ بنحوِ هذه الحُجَّةِ: الشافعيُّ (٢)، وداودُ بنُ عليٍّ، وأصحابُهما. وقد أوضَحنا معانيَ الآثارِ في صلاةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في مرضِه، وأتَينا على حكايةِ قولِ مَن قال: كان أبو بكر المُقدَّمَ في تلك الصَّلاةِ، ومَن قال: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فيها المُقدَّمَ، في بابِ هشام بنِ عُروةَ بما يُغني عن ذكرِه هاهنا (٣).

وقد (٤) روَى الوليدُ بنُ مسلم، عن مالكٍ: أنّه أجازَ للإمام المريضِ أن يُصلّيَ بالناسِ جالسًا وهم قيامٌ، قال: وأحَبُّ إليَّ أن يقُومَ إلى جَنبِه مَن يُعلِمُ النالسَ بصلاتِه. وهذه الرِّوايةُ غريبةٌ (٥) عن مالكٍ، ومذهبُه عندَ أصحابِه على


(١) ينظر: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازميّ، ص ١٠٩.
(٢) ينظر: الأُمّ للشافعيّ ٧/ ٢٠٩ - ٢١٠. والرسالة له، ص ٢٥١ حيث قال فيها: فلمّا كانت صلاةُ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه، قاعدًا والناسُ خلفَه قيامًا، استَدْللنا على أنّ أمرَه الناسَ بالجلوس في سَقْطتِه عن الفَرَس قبلَ مَرَضِه الذي مات فيه، فكانت صلاتُه في مرضه الذي مات فيه قاعدًا والناسُ خلفَه قيامًا: ناسخةً لأنْ يجلسَ الناسُ بجلوس الإمام.
(٣) سيأتي في الباب المشار إليه قبل التعليقين السابقين.
(٤) حرف التحقيق لم يرد في د ١.
(٥) في د ١: "مدنية".

<<  <  ج: ص:  >  >>