للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابنُ وَهْبٍ، عن مالكٍ: لستُ آخُذُ بقولِ ابنِ شهابٍ في دُخولِ الإنسانِ مكةَ بغيرِ إحرام. وكَرِه ذلك، وقال: إنّما يكونُ ذلك على مثل ما عَمِل عبدُ الله بنُ عمرَ مِن القُرْبِ (١)، إلّا رجلًا يأتي بالفاكِهَةِ مِن الطائفِ، أو يَنْقُلُ الحَطَبَ يبيعُه، فلا أرى بذلك بأسًا. قيل له: ورُجوعُ ابنِ عمرَ مِن قُدَيْدٍ إلى مكةَ بغيرِ إحرام؟ فقال: ذلك أنّه جاءَه خَبَرٌ مِن جُيُوشِ المدينة (٢).

وقال إسماعيلُ بنُ إسحاقَ القاضي: كَرِه أكثرُ أهلِ العلم أن يَدْخُلَ أحَدٌ مكةَ إلّا مُحْرِمًا، ورَخَّصوا (٣) للحَطَّابين ومَن أشْبَهَهم ممَّن يكثرُ اختِلافُه إلى مكةَ، ورُخِّص أيضًا لمَن خرَج مِن مكةَ يُريدُ بَلْدَةً، ثم بَدا له أن يرجِعَ، كما صنَع عبدُ الله بنُ عمرَ. قال: وأمّا مَن نَزَع مِن مَوْضِعِه إلى مكةَ في تجارَةٍ أو غيرِها، فلا يَنْبَغي أن يَدْخُلَها إلّا محرِمًا؛ لأنّه يأتي الحرَمَ، فيَنْبغي له أن يُحرِمَ لدُخولِه إيّاه. قال: وممَّا يُؤكِّدُ ذلك أنَّ رجلًا لو جَعَل على نَفْسِه (٤) مشيًا إلى مكةَ (٥) لوَجَب عليه أن يدخُلَها محُرِمًا بحجٍّ أو عمرةٍ.

قال: وأمّا حديثُ الزهريّ، عن أنسٍ، أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- دخَلَ عامَ الفَتْح مكةَ وعلى رَأسِه المِغْفَرُ، فإنَّ هذه، واللّهُ أعلمُ، حالُ خُصُوصٍ؛ لأنّه أُحِلَّتْ له مكةُ بعضَ ذلك اليوم، فلم يكنْ لإحرامِه وجْهٌ، لأنّها كانت حلالًا له ساعَةً،


(١) يعني: قُربه من مكّة، لِمَا رويَ عنه رضي الله عنهما أنه كان قد خرج من مكّة إلى المدينة، فلمّا بلغ قُدَيدًا بلغَه خبرُ الفتنة، فرجع فدخل مكّة بغير إحرام. (ينظر: البيان والتحصيل لابن رشد ٤/ ٧١)، وما سيأتي مرويًّا عنه في الآتي من الشرح قريبًا.
(٢) تنظر جملة هذه الأقوال المرويّة عن مالك في: المدوّنة ١/ ٤٠٥.
(٣) في ج: "وأرخصوا".
(٤) في د: "بنفسه".
(٥) "مكة" لم ترد في د ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>