للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنّما يُستَحَبُّ ألّا يدخُلَها إلّا محُرمًا مِن أجْلِ أنّها حَرَمٌ. وذكَرَ حديثَ طاووسٍ: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لم يَدْخُلْ قَطُّ مكةَ إلّا مُحْرِمًا، إلّا يومَ الفَتْح (١).

قال أبو عمر: قد اختَلف العلماءُ فيمَن دخَل مكةَ بغير إحرام؛ فقال مالكٌ والليثُ: لا يدخُلُ أحَدٌ مكةَ مِن أهْلِ الآفاقِ إلّا مُحْرِمًا، فإن لم يفعَلْ أساء، ولا شيءَ عليه (٢). وهو قولُ الشافعيُّ: وأبي ثورٍ.

وقال الشافعيُّ: مَن دخَل مكةَ غيرَ محُرم، فقد أساءَ، ولا شيءَ عليه؛ لأنَّ الحَجَّ والعمرةَ لا يجِبانِ إلّا على مَن نَواهما وأحْرَم بهما. قال الشافعيُّ: وسُنَّهُ الله في عبادِه ألّا يَدخلُوا الحَرَمَ إلّا حُرُمًا. قال: ومكةُ مُبَاينَةٌ لسائِرِ البِلادِ، فلا يَدْخُلُها أحَدٌ إلّا بإحرام، إلّا أنَّ مِن أصْحابِنا مَن رخَّصَ للحَطَّابين وشِبْهِهم ممَّن يَدْخُلُ لمنافِع أهْلِه ونفسِه (٣). قال أبو ثورٍ: ليس على العِراقِيِّ يَدْخُلُ مكةَ بغيرِ إحرام لحاجَةٍ شيءٌ.

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه: لا يَدْخُلُ أحدٌ مكةَ بغيرِ إحرام، فإن دخَلَها أحَدٌ غيرَ محرم، فعليه حَجَّةٌ أو عُمْرَةٌ. وهو قولُ الثوريِّ، إلّا أنّه قال: فإن لم يَحُجَّ ولم يَعْتَمِرْ، قيل له: اسْتَغْفِرِ اللهَ. وهو قولُ عَطَاءٍ والحَسنِ بنِ حَيٍّ (٤).

قال أبو عمر: لا أعْلَمُ خِلافًا بينَ فقهاء الأمصارِ في الحَطَّابين، ومَن يُدْمِنُ الاخْتِلافَ إلى مكةَ، ويكثِرُه في اليوم والليلةِ، أنَّهم لا يُؤْمَرُون بذلك؛ لما عليهم فيه مِن المشَقَّةِ، ولو أُلزِمُوا الإحرامَ لكان عليهم في اليوم الواحِدِ رُبَّما عُمَرٌ


(١) سيأتي تخريجه بعد قليل.
(٢) ينظر: المدوَّنة ١/ ٤٠٥، والتهذيب في اختصار المدوّنة لخلف بن أبي القاسم القيرواني ١/ ٥١٢.
(٣) ينظر: الأُمّ للشافعي ٢/ ١٥٤، ١٥٥، ومختصر المُزني ٨/ ١٦٦، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٦٦، والمجموع شرح المهذّب للنووي ٧/ ١٠.
(٤) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني ٢/ ٥٢٢، وبدائع الصنائع للكاساني فيما نقلاه عن أبي حنيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>