للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عمر: أمَّا قَتلُ عبدِ الله بنِ خَطَلِ؛ فلأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد كان عَهِد فيه أن يُقْتَلَ وإن وُجِد مُتعلِّقًا بأستارِ الكعبةِ؛ لأنّه ارتَدَّ بعدَ إسْلامِه، وكَفَر بعدَ إيمَانِه، وبعدَ قراءتِه القرآنَ، وقتَل النَّفْسَ التي حرَّمَ الله ثم لحِق بدارِ الكفرِ بمكةَ، واتخَذ قَيْنَتيْنِ تُغنِّيانِه بهجَاءِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فعَهِد فيه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بما عَهِد، في ستَّةِ نَفَرٍ معه، قد ذكَرَهم ابنُ إسحاقَ وغيرُه، وامرأتيْن، فيما قاله ابنُ إسحاقَ (١). وقال الواقديُّ: أربعُ نِسْوِةٍ (٢).

وروَى زيدُ بنُ الحُبَابِ (٣)، وإبراهِيمُ بنُ عليٍّ المغربيُّ القُرَشِيُّ، عن مالكٍ، عن الزهريِّ، عن أنسٍ: أنَّ ابنَ خَطَلٍ كان يَهْجُو رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بالشِّعْرِ.

وروى شَبَابَةُ بنُ سوَّارٍ، عن مالكٍ، عن الزهريِّ، عن أنس، قال: دخَل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مكةَ، ثم قال: "مَن رأى منكم ابنَ خَطَلٍ فلْيَقتُله" (٤).

وزَعَم بعضُ أصحابِنا المتأخِّرِين: أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- إنّما قَتل ابنَ خَطَلٍ لأنّه كان يَسُبُّه -صلى الله عليه وسلم-، والذي ذكَرَ ابنُ إسحاقَ في "المغازي" غيرُ هذا ممَّا نذْكُره بعدُ عنه في هذا البابِ إن شاء اللهُ، ولو كانتِ العِلَّةُ في قَتْلِه ما ذكرَه هذا القائِلُ، ما ترَك منهم مَن كان يَسُبُّه، وما أظُنُّ أحدًا منهم امتَنَع في حين كُفْرِه ومحاربَتِه له مِن سبِّه -صلى الله عليه وسلم-. وجعَلَ القائِلُ هذا حُجَّةً لقتل الذِّميِّ إذا سَبَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-. وهذا لا يجوزُ عندَ أحَدٍ عَلِمْتُه مِن العلماءِ، أن يَقِيسَ الذّمِّيَّ على الحربيِّ؛ لأنَّ ابنَ خَطَلٍ في دارِ


(١) كما في السيرة النبوية لابن هشام ٢/ ٤٠٩، ٤١٠ فيما نقله عن ابن إسحاق.
(٢) قال: "وأمرَ بقَتْلِ ستّةِ نَفَرٍ وأربع نسوةٍ: عكرمة بن أبي جهل، وهبّار بن الأسود، وعبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، ومِقْيَس بن صُبابة اللَّيثي، والحُويرث بن نُقيذ، وعبد الله بن هلال بن خطَلَ الأدْرَمَيّ، وهند بنت عُتبة بن ربيعة، وسارة مولاة عمرو بن هاشم، وقينتين لأبي خَطَل"، وما ذكره الواقديّ في المغازي ٢/ ٨٢٥ موافقٌ لما وقع عند ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢/ ١٣٦.
(٣) عزاه الحافظ ابن حجر في الفتح ٨/ ١٦ للدارقطني.
(٤) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢/ ١٣٩، وابن أبي شيبة في المصنّف (٣٨٠٦٩) من طريق شبابة بن سوّار، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>