للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حربٍ كان، ولا ذِمَّةَ له، وقد حكم اللهُ عزَّ وجلَّ في الحربيِّ إذا قُدِرَ عليه بتَخَيُّرِ الإمام فيه؛ إن شاء قتَلَه، وإن شاء مَنَّ عليه، وإن شاء الفداء (١) به، فلهذا قتَل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ابنَ خَطَلٍ وغيرَه مِمَّن أراد منهم قَتْلَه، على أنَّ ابنَ خَطَلٍ كان قد قتَل رجلًا مِن الأنصارِ مُسْلِمًا ثم ارتَدَّ، كذلك ذكر أهْلُ السِّيَرِ (٢)، وهذا يُبِيحُ دَمَه عندَ الجميع.

وقد اخْتَلَف الفقهاءُ في الذميِّ يَسُبُّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال مالكٌ: مَن شَتَم النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- مِن أهْلِ الذمَّةِ قُتِل، إلّا أن يُسْلِمَ. وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه والثوريُّ: يُعَزَّرُ ولا يُقْتَلُ. وقال الليثُ: يُقْتَلُ مكانَه.

وقال الشافعيُّ: يُؤخَذُ على مَن صُولح مِن الكفارِ. وذكَر أشياءَ، منها: ومتى ذكَر أحَدٌ منهم كتابَ الله، أو محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، بما لا يَنْبغي، فقد أُحِلَّ دَمُه.

قال الطحاويُّ: فهذا يَدُلُّ على أنّه إن لم يُشْترَطْ ذلك عليه فلا يُسْتَحلُّ دَمُه (٣).

واحتجَّ الطحاويُّ لقولِ أصحابِه بما لا حُجَّةَ فيه (٤)، والقولُ عندي في ذلك قولُ مالكٍ واللَّيثِ، وقد رُويَ عن ابنِ عمرَ أنّه قيل له في راهبٍ سبَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قال: لو سَمِعتُه لقَتَلْتُه (٥). ولا مُخالِفَ له من الصحابَةِ عَلِمْتُه. ولا يخلُو أمرُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- بقَتْلِ ابنِ خَطَلٍ من أحَدِ وجهَيْن:


(١) في د: "الفداية".
(٢) ينظر: السرة النبويّة لابن هشام ٢/ ٤٠٩ فيما نقله عن ابن إسحاق.
(٣) في د ١: "ماله"، وينظر قول الطحاوي هذا مع جملة الأقوال المذكورة قبله في مختصر اختلاف العلماء له ٣/ ٥٠٤ - ٥٠٥.
(٤) في د ١: "له".
(٥) أخرجه ابن أبي عاصم في الدِّيات ١/ ٧٣، وأبو بكر الخلال في أحكام أهل الملل والرِّدة (٧٢٦)، وابن المنذر في الأوسط ١٣/ ٤٨٦ (٩٦٥٤) من طرق عن حصين بن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما. وفي إسناد ابن أبي عاصم والخلال "عن حصين عن رجل"، وضعّف إسناده الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٥٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>