للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إمّا أنَّ ذلك كان في الوقتِ الذي أُحلَّت له مكةُ وهي دارُ حربٍ وكفرٍ، وكان له أن يُريقَ دَمَ مَن شاء مِن أهْلِها في الساعَةِ التي أُحِلَّ له فيها القِتَال.

أو يكونُ على مَذْهَبِ جماعَةٍ مِن العلماء في أنَّ الحرَمَ لا يُجِيرُ مَن وجَبَ عليه القتلُ، وكان هؤلاء ممَّن وجَبَ قتلُه لما ذكرنا، فلم يُجرهمُ الحرَم. وهذا مَوْضِعٌ اخْتَلف فيه العلماءُ قديمًا وحديثًا.

فأمّا مالكٌ فقال: مَن وجَب عليه القِصاصُ في الحرم اقْتُصَّ منه، ومَن قتَلَ ودخَل المحرمَ لم يُجِره، ولم يَمْنَع الحرَمُ حدًّا وجَبَ. وهو قولُ الشافعيِّ، ورواه ابنُ سِمَاعَةَ عن أبي يوسُفَ (١).

وقال أبو حنيفةَ: إذا وجَب عليه قِصَاصٌ أو حَدٌّ فدَخَل الحرمَ، لم يُقْتَصَّ منه (٢) في النَّفْسِ، ولا يُحدَّ فيما يأتي على النَّفْسِ، وتُقامُ الحُدودُ عليه فيما دونَ النَّفْسِ ممَّا سِوَى ذلك حتى يخرُجَ مِن الحرَم. وكذلك قال زُفَرُ، قال: وإن قتَل في الحرم، أو زَنَى في الحرم، رُجِمَ وقُتِل في الحرم. وروى محمدُ بنُ شُجَاع، عن الحسنِ بنِ زيادٍ، عن أبي يوسُفَ، قال: يُخرَجُ مِن الحرم فيُقْتَلُ، وكذلك في الرَّجْم. وقد ذكرنا هذه المسألةَ وبينَّاها وأوضَحْنا وجْهَ الصَّوابِ فيها في كتابِ "الأجْوبَةِ عن المسائلِ المستَغْرَبَة" (٣).

حدَّثنا عبدُ الوارِثِ بنُ سفيانَ، قال: حدَّثنا قاسِمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا عبيدُ بنُ عبدِ الواحدِ بنِ شريكٍ، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ محمدِ بنِ أيوبَ، قال: حدَّثنا إبراهيمُ بنُ سعدٍ، عن ابنِ إسحاقَ، قال (٤): وأمَّا عبدُ الله بنُ خَطَلٍ، فقَتَله


(١) تنظر جملة هذه الأقوال في: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٢٤٢ - ٢٤٣، والمجموع شرح المهذّب للنووي ١٨/ ٤٧٢.
(٢) في د ١: "يقتل" بدلًا، من: "يقتص منه".
(٣) ص ١٠٩ - ١١٠، وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٢٤٢ - ٢٤٣.
(٤) كما في السيرة النبوية لابن هشام ٢/ ٤٠٩ - ٤١٠. وينظر: الروض الأنف للسهيلي ٧/ ٢٢٧ - ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>