للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يذكُرْ أحدٌ فيما عَلِمتُ في هذا الحديثِ أنّه لاعَنَ بينهما بعدَ صلاةِ العصرِ إلّا ابنُ إدريسَ، وأظنُّه حملَ لفظَ ابنِ إسحاقَ على لفظِ مالكٍ، وقال الدَّارقطنيُّ: لم يَقُلْ في هذا الحديثِ عن ابنِ شهابٍ أحدٌ مِن أصحابِه أنّه لاعَنَ بينهما بعد صلاةِ العصرِ غيرُ محمدِ بنِ إسحاق (١).

وفي هذا الحديثِ مِن الفِقْه: السؤالُ عن الإشكال. وفيه أنَّ الاستفهامَ بـ: "أرأيتَ" عن المسائلِ كان قديمًا في عصرِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-.

وفيه أنَّ مَن قتَل رجلًا وادَّعى أنّه إنّما قتلَه لأنّه وجَدَه مع امرأتِه، أنّه يُقْتَلُ به. وقد بينَّا هذه المسألةَ في بابِ سهَيلِ بنِ أبي صالح مِن هذا الكتابِ (٢).

وفيه أن يتولَّى السُّؤالَ عن مسألتِكَ غيرُك وإن كانت مُهِمَّةً. وفيه قَبُولُ خبرِ الواحِدِ؛ لأنّه لو لم يجب عليه (٣) قَبُولُ خبرِه عندَه ما أرسَلَه يَسْألُ له.

وفيه كَراهِيَةُ سماع الكلام إذا كان فيه تَعْرِيضٌ بقَبِيح؛ قَذْفًا كان أو غيرَه.

وقد زعَم بعضُ الناسِ أنَّ في هذا الحديثِ دليلًا على أنَّ الحَدَّ لا يجبُ في التَّعْرِيضِ بالقذف. وهذا لا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّ المُعَرَّضَ به غيرُ مُعيَّنٍ، وإنّما يجبُ الحدُّ على مَن عرَّضَ بقَذْفِ رجل يُشِيرُ إليه، أو يُسَمِّيه في مُشاتَمةٍ، وَيطلُبُه المُعَرَّضُ به، فحينئذٍ يجبُ في التَّعْرِيضِ بالقَذْفِ (٤) الحَدُّ، إذا كان يُعْلَمُ مِن المُعَرِّضِ أنّه قصَدَ به قصْدَ القَذْفِ، وقد صَحَّ عن عُمَرَ أنّه كان يَحُدُّ في التَّعْرِيض


(١) وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ٩/ ٤٥١ بعد أن ذكر تفرُّد ابنِ إسحاق بهذه الزِّيادة التي لم يُتابعْهُ عليها أحدٌ، قال: "وكأنّه رواه بالمعنى لاعتقاده مَنع جَمْع الطَّلْقاتِ الثلاث بكلمةٍ واحدةٍ".
(٢) سيأتي في سياق شرحه للحديث الخامس من أحاديث مالك عنه، في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٣) "عليه" سقطت من م.
(٤) من هنا إلى قوله: "التعريض بالقذف" سقط من د ١، وهو قفز نظر من الناسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>