للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال مالكٌ: إن ذكَر المرميَّ (١) به في التِعانِه حُدَّ له. وهو قولُ أبي حنيفةَ؛ لأنّه قاذِفٌ لمن لم يكنْ به ضَرُورَةٌ إلى قَذْفِه (٢). وقال الشافعيُّ: لا حَدَّ عليه؛ لأنَّ اللهَ لم يجعَلْ على مَن رمَى زَوْجَتَه بالزِّنى إلّا حدًّا واحِدًا، بقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦]. ولم يُفرِّقْ بينَ مَن ذكَر رجلًا بعَيْنِه وبينَ مَن لم يذكُرْه، وقد رمَى العَجْلانيُّ زَوْجَتَه بشَرِيكِ بنِ سَحْماء، وكذلك هِلالُ بنُ أُميَّةَ، فلم يُحَدَّ واحِدٌ منهما (٣).

وفيه أنَّ طِباعَ البَشَرِ أنْ تكونَ الغَيْرةُ تحمِلُ على سَفْكِ الدِّماء، إلّا أنْ يَعْصِمَ اللهُ عن ذلك بالعِلْم والتَّثبُّتِ والتُّقَى.

وفيه أنَّ العالِمَ إذا كَرِه السُّؤالَ، له أنْ يَعِيبَه ويَنْجَهَ (٤) صاحِبَه. وفيه أنَّ مَن لقِي شيئًا مِن المكرُوه بسببِ غيرِه كان له أنْ يُؤنِّبَ ذلك الذي لقِيَ المكرُوهَ بسَبَبِه ويُعاتِبَه؛ لقولِ (٥) عاصِم لعُوَيْمِر: لم تَأْتني بخيرٍ.

وفيه أنَّ المحتاجَ إلى المسألةِ مِن مسائلِ العِلْم لا يَرْدَعُه عن تَفهُّمِها غَضَبُ العالم وكراهِيَتُه لها، حتى يَقِفَ على الثَّلَج (٦) منها.

وفيه أنَّ السُّؤالَ عمَّا يلزَمُ عِلْمُه مِن أمْرِ الدِّين واجِبٌ في المحَافِلِ وغيرِ المحافِلِ، وأنَّه لا حياءَ يلزَمُ فيه، ألا ترَى إلى قوله: فأقبَلَ عُوَيْمِرٌ حتى أتَى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وهو


(١) والفاعل هنا الزَّوج القاذف، يعني ذكَر اسمَ من رمى به زوجتَه.
(٢) ينظر: المدوّنة ٢/ ٣٦١.
(٣) ينظر: مختصر المزني ٨/ ٣١٩.
(٤) يعني: يَزْجُره ويردعَه، يقال: نَجَهت الرَّجلَ أنْجَهُه نَجْهًا: استقبلته بما يكره. والنَّجْهُ: استقبالك الرَّجل بما يكرهُ وردُّك إيّاه عن حاجته، وهو أقبحُ الرَّدِّ. ينظر الصحاح، وتاج العروس مادة (نجه).
(٥) في د ١: "كقول".
(٦) أي: على ما يطمئنُّ إليه، وترتاح نفسه به، يقال: ثَلِجَتْ نفسي: إذا اطمأنَّتْ. ينظر: تهذيب اللغة للأزهري ١١/ ١٧، والصحاح مادة "ثلج".

<<  <  ج: ص:  >  >>