كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار

باب الميم - ابن شهاب، عن سهل بن سعد الساعدي حديث واحد متصل - ج: 4 - ص: 176

على هذا السُّؤالِ بهذا العُموم، فقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦]، ولم يَخُصَّ زَوْجًا مِن زوج. وهذا مَوْضِعٌ اختلفَ فيه العلماءُ؛ فقال الثوريُّ وأبو حنيفةَ وأصحابُه: لا لِعانَ بينَ الحُرِّ والمملوكةِ، ولا بينَ المملوكِ والحرَّةِ، ولا بينَ المسلم والذِّمِّيةِ الكتابيَّةِ (١). ولهم في ذلك حُجَجٌ لا تَقُومُ على سَاقٍ (٢)؛ منها حديثُ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا لِعانَ بينَ مملُوكَينِ ولا كَافرَينِ" (٣). وهذا حديث ليس دُونَ عمرِو بنِ شعيبٍ مَن يُحتَجُّ به.

واحتَجُّوا مِن جهةِ النَّظَرِ بأنَّ الأزواجَ لما استُثنُوا مِن جُملَةِ الشهداء بقولِه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: ٦]، وجَب ألَّا يُلاعِنَ إلّا مَن تجوزُ شَهادَتُه؛ لا عبدٌ، ولا كافِرٌ، ولا يُلاعِنُ عندَهم إلّا الحُرُّ المسلمُ.

وقال مالكٌ وأهلُ المدينةِ: اللِّعانُ بينَ كلِّ زَوجَينِ (٤). وهو قولُ الشافعيِّ،

---

(١) نقله عنهم محمد بن نصر المروزي في اختلاف الفقهاء له ص ٣٧٨، والطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٢/ ٥٠٠.
(٢) قوله: "لا تقوم على ساق" لم يرد في د ١، وهي ثابتة في ج.
(٣) ذكره بهذا اللفظ ابن القطّان الفاسي في بيان الوهم والإيهام ٢/ ٤٩٤ وقال: "وذكر -يعني الرافعيَّ في الشرح الكبير- من طريق أبي عمر أيضًا من التمهيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "فذكره" ثم ذكر ما قاله ابن عبد البر هنا بإثر الحديث، وأضاف: وهو أيضًا غير موصول الإسناد إلى عمرو بن شعيب، فهو منقطع فيما بين أبي عمر وعمرو.
وأصل الحديث عند الدارقطني في سننه ٤/ ٢٠٧ (٣٣٣٨)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى ٧/ ٦ (١٥٦٩٣) عن أبي صالح عبد الرحمن بن سعيد بن هارون، عن محمد بن الحجّاج بن نذير أبي الفضل، عن عبد الرحمن بن سليمان، عن عثمان بن عبد الرحمن الزُّهري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أربعةٌ ليس بينهم لعانٌ: ليس بين الحُرِّ والأمةِ لِعانٌ، وليس بين الحُرَّةِ والعبدِ لِعانٌ، وليس بين المسلم واليهوديةِ لعانٌ، وليس بين المسلم والنَّصرانيّةِ لعانٌ" قال الدارقطني: "عثمان بن عبد الرحمن: هو الوقّاصِيُّ متروكُ الحديث". وينظر: تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي ٤/ ٤٣٦ - ٤٣٩.
(٤) ينظر: المدوَّنة ٢/ ٣٥٣، وبداية المجتهد لابن رشد ٣/ ١٣٦.