للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعلامٌ أنَّ الفُرْقةَ تقَعُ باللِّعانِ، وأنَّ السبيلَ عنها مُرتَفِعةٌ؛ لأنَّ قولَه: "لا سبيلَ لك عليها". مُطلَقٌ غيرُ مُقيَّدٍ بشيء.

حدَّثنا سعيدُ بنُ نَصرٍ وعبدُ الوارثِ بنُ سفيانَ، قالا: حدَّثنا قاسِمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ إسماعيلَ، قال: حدَّثنا الحمَيْديُّ، قال (١): حدَّثنا سفيانُ بنُ عيينةَ، عن عَمْرٍو (٢)، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عمرَ قال: فرَّق رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بينَ المتلاعِنَين، وقال: "حِسابُكما على الله، أحدُكما كاذِبٌ، لا سبيلَ لك عليها". قال: يا رسولَ الله، مالي، مالي. قال: "لا مالَ لك، إن كُنتَ صادِقًا فهو بما استَحلَلْتَ مِن فَرجِها، وإن كنتَ كذَبتَ فهو أبعدُ لك".

وقال بعضُ أصحابِنا، وهو الأبْهَريُّ (٣): ومن جهةِ المعنى، فإنّما عُوقِبَ الملاعِنُ بمَنع التراجُع؛ لما أدخَلَ مِن الشبهةِ في النَّسَبِ، كما عُوقِب القاتِلُ عمدًا ألا يَرِثَ. واحتجَّ أيضًا لمذهَبِ مالكٍ في النكاح في العِدَّةِ، أنّه يُفَرَّقُ بينَهما ولا يتناكحانِ أبدًا، بمَنع المتلاعِنَينِ مِن ذلك عُقُوبَةً لهما؛ لما قطَعَا مِن نَسَبِ الولدِ، ولم يتَصادَقا فيه. قال: فكذلك المتزَوِّجُ في العِدَّةِ، لمّا أدخَل الشُّبهةَ في النَّسَبِ عُوقِب بالمنع مِن الاجتماع، ورُفِع فِرَاشُهما؛ لأنّه افْتَرش غيرَ فراشِه.

قال أبو عمر: الأُصولُ عندَ أهلِ العِلْم مُستَغنِيةٌ عن الاحتِجاج لها، والزاني قد افتَرشَ غيرَ فراشِه ولم يُمنَعْ مِن النكاح بعدَ الاستبراء. ولأهلِ العِلم في هذه


(١) في مسنده ٢/ ٢٩٥ (٦٧١)، وأخرجه أحمد في المسند ٨/ ١٩٢ (٤٥٨٧)، والبخاري (٥٣١٢)، ومسلم (١٤٩٣) (٥) من طريق سفيان بن عيينة، به.
(٢) هو ابن دينار.
(٣) هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهريُّ، كان إمام وقتِه عند المالكية في الفقه والحديث ومعاني القرآن والنحو واللغة. توفي سنة خمس وسبعين وثلاث مئة. ينظر: تاريخ الخطيب ٣/ ٤٩٢، وترتيب المدارك وتقريب المسالك ٦/ ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>