للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبَّادُ بنُ منصورٍ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ، قال: جاء هلالُ بنُ أُميَّةَ -وهو أحَدُ الثلاثةِ الذين تاب اللهُ عليهم- فجاء مِن أرضِه عشاءً، فوجَد عندَ أهلِه رجلًا، فرأى بعَينِه، وسمِع بأُذُنِه، فلم يَهِجْه حتى أصبَح، ثم غَدا على رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسولَ الله، إنِّي جئتُ أهلي عشاءً، فوجَدتُ عندَهم رجلًا، فرأيتُ بعَيْني، وسَمِعتُ بأُذني. فكرِه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ما جاء به، واشْتَدَّ عليه، فنزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الآيتين كلتَيهِما [النور: ٦]. فسُرِّي عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "أبشِرْ يا هِلالُ، فقد جعَلَ اللهُ لك مخرَجًا"، وذكَر الحديثَ بطُولِه.

وروى جريرُ بنُ حازم، عن أيوبَ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ، قال: لما قذَف هِلالُ بنُ أُميةَ امرأته، قيل له: واللّه ليجلدنَّكَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانينَ. فقال: اللهُ أعدَلُ مِن أن يَضربَني وقد عَلِم أنِّي رأيتُ حتى استبنتُ، وسمِعْتُ حتى استيقَنْتُ. فأنزلَ اللهُ (١) آيةَ المُلاعَنةِ (٢).

فهذه الآثارُ كلُّها تدلُّ على أنَّ الملاعَنةَ التي قَضَى بها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إنّما كانت بالرُّؤَيةِ، فلا يجبُ أن تتعَدَّى ذلك، ومَن قذَف امرأتَه ولم يذكُرْ رؤيَةً، حُدَّ بعُمُوم قولِه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٤] الآية. ومن جهةِ النظرِ، فإن ذلك قياسٌ على الشُّهودِ، ولأنَّ المعنَى في اللّعَانِ إنّما هو مِن أجلِ النَّسَبِ، ولا يَصحُّ ارتفاعُه إلّا بالرؤية أو نَفي الوَلدِ، فلهذا قالوا: إنَّ القذفَ المُجرد (٣) لا لِعَانَ فيه، وفيه الحَدُّ؛ لعُموم قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}. وقياسًا على الشهادةِ التي لا تَصحُّ إلّا برؤيَةٍ، واللهُ أعلم.


(١) في ج: "فنزلت".
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٤/ ٢٧٤ (٢٤٦٨)، وابن جرير الطبري في تفسيره ١٩/ ١١٢، والحاكم في المستدرك ٢/ ٢٠٢، والبيهقي في الكبرى ٧/ ٣٩٥ (١٥٦٨٨) من طرقٍ عن جرير بن حازم، به. وإسناده صحيح.
(٣) قوله: "المجرد" لم يرد في د ١، وهو ثابت في ج.

<<  <  ج: ص:  >  >>