للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشافعيُّ، وأبو حنيفةَ، والثوريُّ، وأبو عُبيدٍ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وداودُ، وأصحابُهم: إذا قال لها: يا زانيةُ. وجَبَ اللِّعَانُ إن لم يأْتِ بأربعةِ شُهَداء. وسواءٌ عندَهم قال: يا زانيةُ. أو: رأيتُكِ تَزنين. أو: زَنَيتِ. وهو قولُ جُمهورِ العلماءِ، وعامةِ الفقهاء، وجماعةِ أصحاب الحديث (١). وقد رُوي أيضًا عن مالكٍ مثلُ ذلك (٢). وحُجَّتُهم أنَّ اللّهَ عزَّ وجلَّ قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}. كما قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}. ولم يقُلْ في واحِدَةٍ منهما برُؤَيَةٍ، ولا بغير رُؤيَةٍ، وسوَّى بينَ الرَّميَينِ بلفظٍ واحدٍ، فمَن قذَف محُصَنةً غيرَ زَوجِه ولم يأْتِ بأربعَةِ شُهداء جُلِد الحدَّ، ومَن قذَف زوجتَه ولم يأتِ بأربعةِ شُهداء لاعَنَ، فإن لم يُلاعِنْ حُدَّ.

وقد أجمعوا أنَّ الأعمَى يُلاعِنُ إذا قذَف امرأتَه، ولو كانتِ الرُّؤيةُ مِن شرطِ اللِّعَانِ ما لاعَنَ الأعمَى. ولهم في هذا حُجَجٌ يطُولُ ذكرُها.

واختَلَفوا في مُلاعَنةِ الأخرَسِ؛ فقال مالكٌ والشافعيُّ: يُلاعِنُ؛ لأنّه ممَّن يَصِحُّ طلاقُه وظِهارُه وإيلاؤُه إذا فُهِم ذلك عنه، ويَصِحُّ يمينُه للمُدَّعي عليه (٣). وقال أبو حنيفةَ: لا يُلاعِنُ؛ لأنّه ليس مِن أهلِ الشَّهادَةِ، ولأنَّه قد (٤) يَنطلِقُ لسانُه فيُنكِرُ اللِّعَانَ، فلا يُمكِنُنا إقامَةُ الحدِّ عليه (٥).


(١) ينظر: الأمّ للشافعي ٥/ ٣١٣، والمبسوط للسَّرخسيّ ٦/ ١٤٠، واختلاف الفقهاء لمحمد بن نصر المروزي، ص ٣٨١، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٥٠١.
(٢) كما في المدوَّنة ٤/ ٤٩٣، ولكن المشهور عن مالك: أنَّه لا يُلاعن إلّا أن يقول: رأيتُكِ تزنين، أو ينفي حملًا بها، أو ولدًا منها. قاله الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٢/ ٥٠١.
وقال ابن رشد: وأمّا المشهور عن مالك، فإنه لا يجوز اللِّعان عنده بمجرَّد القذف، وقد قال ابن القاسم أيضًا: إنه يجوز، وهي أيضًا رواية عن مالك، ونحو ذلك ذكر ابن قدامة، والنووي. ينظر: بداية المجتهد
لابن رشد ٣/ ١٣٤. والمغني لابن قدامة ٨/ ٥٨، والمجموع شرح المهذب للنووي ١٧/ ٣٩١ - ٩٣٢.
(٣) ينظر: المدوَّنة ٢/ ٣٦٢، والأمّ للشافعي ٥/ ٣٠٩، ومختصر اختلاف العلماء ٢/ ٥٠٨ - ٥٠٩.
(٤) في د ١: "لا".
(٥) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٥٠٨، وبدائع الصنائع للكاساني ٣/ ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>