للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه ترتيلُ القرآنِ في الصلاةِ، وهو الذي أمرَ اللهُ به رسوله، واختارَه له ولسائِر أُمَّتِه، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: ٤] والتَّرتيلُ: التَّمهُّلُ والتَّرسُّلُ؛ ليقَعَ مع ذلك التَّدبُّر، وكذلك كانت قراءتُه -صلى الله عليه وسلم- حرفًا حرفًا، فيما حكَتْ أُمُّ سلَمَةَ وغيرُها (١). وقد ذكرنا فَضلَ التَّزْييل على الهذِّ (٢) في كتاب جمَعْناهُ في "البيان عن تلاوَةِ القرآن". وفي قولِ حفصةَ: فيُرتِّلُها حتى تكون أطولَ (٣) مِن أطولَ منها دليلٌ على إباحةِ الهذِّ؛ لأنَّه محُالٌ أن تكون أطولَ مِن أطولَ منها إذا رُتِّلَتِ التي هي أطولُ منها مثلَ تَرْتيلِها، وإنَّما أرادَتْ أطْوَلَ مِن أطولَ (٤) منها إذا حُدِرَتْ (٥) تلك وهَذَّ بها قارِئُها.


(١) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن ص ١٥٦، وأحمد في المسند ٤٤/ ٢٠٦ (٢٦٥٨٣) و ٤٤/ ٣٢٤ (٢٦٧٤٢)، وأبو داود (٤٠٠١) عن يحيى بن سعيد الأموي، عن عبد الملك بن جريج، عن عبد الله بن أبي مُليكة، عن أمِّ سلمة رضي الله عنها: أنها سُئلت عن قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: كان يُقطِّع قراءتَه آيةً آيةً.
وأخرجه الترمذي في الجامع (٢٩٢٧)، وفي الشمائل (٣٠٩)، وأبو يعلى في مسنده ١٢/ ٤٥١ (٧٠٢٢)، وابن المنذر في الأوسط ٣/ ٢٧٨ (١٣٤٤)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ١٤/ ٨ (٥٤٠٦) من طرق عن يحيى بن سعيد الأمويّ، به. كلُّهم بلفظ "آيةً آيةً"، ووقع في رواية عند أحمد في المسند ٤٤/ ٣٢٤ (٢٣٧٤٢) عن عفّان بن مسلم الصَّفّار، عن همّام بن يحمى العَوْذيِّ، عن ابن جريج بالإسناد السابق، بلفظ: "حرفا حرفًا. قراءةً بطيئةً". واستغربه الترمذي (أي ضَعّفه)، وقال: "هكذا روى يحيى بن سعيد الأموي وغيره عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة، وليس إسناده بمتصل، لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم سلمة، وحديث الليث أصح". وينظر تعليقنا على جامع الترمذي.
(٢) والهَذُّ: سرعة القَطْع، وسُرعة القراءة. (تهذيب اللغة للأزهري ٥/ ٢٣٦).
(٣) من هنا قفز نظر ناسخ د ١ إلى "أطول" الآتية فسقط ما بينهما.
(٤) قوله: "من أطول" سقط من د ١، وهو ثابت في النسخ الأخرى.
(٥) مِنَ الحَدَر: وهو الإسراع بالقراءة مع مراعاة الأحكام. (ينظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ١/ ٣٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>