للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يحتمِلُ ما ذكرنا عن عائشةَ من صلاتِها على قبرِ أخِيها عبدِ الرحمنِ أنّها دعَتْ له. فكنّى القومُ عن الدُّعاءِ بالصَّلاةِ؛ لأنَّهم كانوا عربًا، وهذا سائغٌ في اللُّغةِ، والشَّواهدُ عليه محفوظةٌ مشهورةٌ، فأغنَى ذلك عن ذكرِها هاهنا. وإذا احتملَ هذا، فغيرُ نكيرٍ أنْ يُقالَ فيما ذكرنا من الآثارِ المرفوعةِ وغيرها: إنّه أُريدَ بذكرِ الصلاةِ على القبرِ فيها الدُّعاءُ، إلّا أنْ يكونَ حديثًا مُفسَّرًا يُذكَرُ فيه أنّه صفَّ بهم وكبَّر ورفَعَ -صلى الله عليه وسلم- يديه، ونحوُ هذا من وجُوهِ المعارضةِ. ولكنَّ الصَّحيحَ في النَّظرِ أنَّ ذكرَ الصلاةِ على الجنائزِ إذا أتى مُطلقًا، فالمرادُ به الصَّلاةُ المعهودةُ على الجنَائزِ، ومَن ادَّعَى غيرَ ذلك كانتِ البيِّنةُ عليه، وليسَ فيما ذكرنا من الآثارِ عن الصحابةِ والتَّابعينَ ما يرُدُّ قولَ مالكٍ أنَّ الصلاةَ على القبرِ جاءَ وليسَ عليه العملُ؛ لأنّها كلَّها آثارٌ بَصْريَّةٌ وكوفيَّةٌ، وليس منها شيءٌ مدنيٌّ؛ أعني عن الصحابةِ ومَن بعدَهم رضيَ اللهُ عنهم، ومالكٌ رحِمه اللهُ إنّما حكى أنّه ليس (١) عليه العملُ عندهم بالمدينةِ في عصرِه وعصرِ شُيوخِه، وهو كما قال، ما وجَدْنا عن مدنيٍّ ما يرُدُّ حكايتَه هذه، واللهُ تعالى قد نزَّهَه عن التُّهمةِ والكذبِ، وحَباهُ بالأمانةِ والصِّدقِ (٢).

قال أبو عمر: مَن صلَّى على قبرٍ، أو على جنازةٍ قد صُلِّيَ عليها، فمُباحٌ له ذلك؛ لأنّه قد (٣) فعَل خيرًا لم يحظُرْه اللهُ ولا رسولُه، ولا اتَّفقَ الجميعُ على المَنعْ منه، وقد (٤) قال اللهُ تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: ٧٧]. وقد صلَّى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على قبر، ولم يأْتِ عنه نَسْخُه، ولا اتَّفقَ الجميعُ على المَنع منه، فمَن فعَلَ فغيرُ حَرِج ولا مُعنَّفٍ، بل هو في حلٍّ وسَعةٍ وأجرٍ جزيلٍ إن شاء اللهُ،


(١) من قوله: "عن الصحابة ومن بعدهم ... "، إلى هنا لم يرد في د ١.
(٢) من قوله: "حكايته هذه" إلى هنا لم يرد في د ١.
(٣) حرف التحقيق لم يرد في د ١.
(٤) كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>