للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلّا أنّه ما قدُمَ عهدُه فمكروهٌ الصلاةُ عليه؛ لأنّه لم يأْتِ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابِه أنَّهم صلَّوا على القبرِ إلّا بحِدْثانِ ذلك، وأكثرُ ما رُويَ فيه شهرٌ، وقد أجمعَ العلماءُ أنّه لا يُصلَّى على ما قدُمَ من القبور، وما أجمعوا عليه فحُجَّةٌ، ونحن نتبعُ ولا نبتدِعُ، والحمدُ لله.

وقد قال ابنُ حبيبٍ فيمَن نُسيَ أن يُصلَّى عليه حتّى دُفنَ، أو فيمَن دفَنه يهوديٌّ أو نصرانيٌّ دونَ أنْ يُغْسَلَ ويصلَّى عليه، ثم خُشيَ عليه التَّغيرُ: إنَّه يُصلَّى على قبره، فإن لم يُخفْ عليه التَّغيُّرُ، نُبشَ وغُسِلَ وصُلِّيَ عليه إذا كان بحِدثانِ ذلك (١).

وقال عيسى بنُ دينارٍ (٢): من دُفنَ ولم يُصلَّ عليه من قتيلٍ، أو ميِّتٍ، فإني أرى أن يُصلَّى على قبرِه. قال: وقد بلغني ذلك عن عبدِ العزيز بنِ أبي سلمة.

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه: لا يُصلَّى على جنازةٍ مرَّتين، إلّا أن يكون الذي صلَّى عليها غيرَ وليِّها، فيعيدُ وليُّها الصلاةَ عليها (٣) إن كانت لم تُدفنْ، وإنْ كانت قد دُفنَتْ أعادَها على القبرِ (٤). وقال يحيَى بنُ معينٍ: قلت ليحيَى بنِ سعيدٍ: ترى الصلاةَ على القبرِ؟ قال: لا، ولا أرى على من صلَّى عليه شيئًا، وليسَ الناسُ على هذا اليوم، وأنا أكرَهُ أن أفعلَ شيئًا أُخالفُ الناسَ فيه.


(١) قول عبد الملك بن حبيب هذا نقله عنه أبو الوليد محمد بن رشد في المقدِّمات الممهدات ١/ ٢١٩، وقال: حكاه ابن حبيب عن مالك.
(٢) نقله عنه ابن رشد في البيان والتحصيل ٢/ ٢٥٥، وقال: وهو قول سحنون وقول عيسى.
(٣) شبه الجملة لم يرد في د ١.
(٤) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٣٩٤، والمبسوط للسرخسي ٢/ ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>