للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: حدَّثنا يزيدُ بنُ هارونَ، قال: أخبرنا هشامُ بنُ حسَّانَ، عن محمدِ بنِ سيرينَ، عن رجلين أحدُهما مسلمُ بنُ يسارٍ، عن عبادةَ بنِ الصَّامتِ؛ فذكر مثلَه (١).

قال أبو عمر: فقولُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: "هاءَ وهاءَ"، وقولُه: "يدًا بيدٍ" سواء.

واختلَف العلماءُ في حدِّ قبضِ الصَّرفِ وحقيقتِه؛ فقال ابنُ القاسم، عن مالكٍ: لا يصِحُّ الصَّرفُ إلّا يدًا بيدٍ، فإن لم ينقُدْه ومكَث معه مِن غُدْوةٍ إلى ضَحوةٍ قاعدًا، وقد تصارَفا غُدوةً، فتقابَضا ضَحوةً، لم يصِحَّ هذا، ولا يكونُ الصَّرفُ إلّا عندَ الإيجاب بالكلام، ولو انتقَلا مِن ذلك المكانِ إلى موضع غيرِه لم يصِحَّ تقابضُهما (٢). هذا كلُّه قولُ مالكٍ، وجملةُ مذهبِه في ذلك أنّه لا يجوزُ عندَه تراخي القبضِ في الصَّرفِ، سواءٌ كانا في المجلسِ أو تفرَّقا، ومَحَلُّ قولِ عمرَ عندَه -واللهُ أعلمُ-: والله لا تفارقُه حتى تأخذَ منه، أنَّ ذلك على الفورِ لا على التَّراخي، وهو المعقولُ مِن لفظِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: "هاءَ وهاءَ" عندَه، واللهُ أعلم.

وقال أبو حنيفةَ والشَّافعيُّ: يجوزُ التَّقابضُ في الصَّرفِ ما لم يفترقا، وإن طالت المدَّةُ وانتقَلا إلى موضع آخرَ (٣). واحتجُّوا بقولِ عمرَ: والله لا تفارقُه حتى تأخذَ. وجعَلوه تفسيرًا لما رواه عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِن قوله: "الذَّهبُ بالورِقِ ربًا إلّا هاءَ وهاءَ". واحتجُّوا بقولِه أيضًا: وإن استنظَرك إلى أن يلِجَ بيتَه فلا تُنظِرْه (٤). قالوا: فعُلِم مِن قوله هذا أنَّ المُراعَى الافتراقُ.


(١) سلف تخريجه في الموضع المشار إليه في التعليق قبل السابق.
(٢) ينظر: المدوّنة ٣/ ٦، ٢٥، ٣٠، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ١٧٩.
(٣) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ١٧٩، والمبسوط للسرخسي ٤/ ١٤، والأمّ للشافعي ٣/ ٣١، والمجموع شرح المهذّب ١٠/ ٦٥ - ٦٩.
(٤) أخرجه مالك في الموطّأ ٢/ ٦٠ (١٨٤٩) عن نافع، عن عبد الله بن عمر، عنه رضي الله عنهما، وبرقم (١٨٥٠) عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، عنه رضي الله عنهما، وينظر ما سلف في شرح الحديث الثالث عشر من أحاديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>