للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلَف الفقهاءُ أيضًا مِن معنى هذا الحديثِ في الدَّينَينِ يُصارَفُ عليهما؛ فقال مالكٌ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُهما: إذا كان له عليه دراهمُ، وله على الآخرِ دنانيرُ، جاز أن يشتريَ أحدُهما ما عليه بما على الآخرِ؛ لأنَّ الذِّمَّةَ تقومُ مَقامَ العَينِ الحاضرةِ، وليس يُحتاجُ ها هنا إلى قبضٍ، فجازَ التَّطارحُ (١).

وقال الشَّافعيُّ، واللَّيثُ بنُ سعدٍ: لا يجوزُ؛ لأنّه دينٌ بدينٍ (٢). واستدلُّوا بقولِ عمرَ: لا تَبيعوا منها غائبًا بناجزٍ (٣).

قالوا: فالغائبُ بالغائبِ أحرَى ألّا يجوزَ. ومِن حجَّةِ مالكٍ عليهما أنَّ الدَّينَ في الذِّمَّةِ كالمقبوضِ.

واختلفوا -مِن معنى هذا الحديثِ أيضًا- في أخذِ الدَّراهم عن الدَّنانيرِ؛ فقال مالكٌ وأصحابُه فيمَن له على رجلٍ دراهمُ حالَّةٌ؛ فإنَّه يأخُذُ دنانيرَ بها (٤)، وإن كانت مؤجَّلةً لم يَجُزْ أن يبيعَها بدنانيرَ، وليأخُذْ في ذلك عرْضًا إن شاءَ (٥). وإنَّما جازَ هذا في الحالِّ، ومنَعها في المؤجَّلِ (٦) فرارًا مِن الدَّينِ بالدَّينِ.

وقال الشَّافعيُّ: إذا حلَّ دَينُه أخَذ به ما شاءَ منه مِن جنسِه، ومن غيرِ جنسِه، مِن بيع كان أو قرضٍ، وإن لم يحِلَّ ديْنُه لم يَجُزْ؛ لأنّه دينٌ بدينٍ. وقال أبو حنيفةَ فيمَن أقرَض رجلًا دراهمَ: له أن يأخُذَ بها دنانيرَ إن تراضَيا، وقبَض الدَّنانيرَ في


(١) ينظر: اختلاف الفقهاء لابن جرير الطبري، ص ٨٤.
(٢) ينظر: الأُمّ للشافعيّ ٣/ ٣٣، واختلاف الفقهاء لابن جرير الطبري، ص ٨٤.
(٣) أخرجه مالك في الموطّأ ٢/ ١٦٠ (١٨٥٠) عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، عنه رضي الله عنهما، وقد سلفت الإشارة إليه قريبًا في سياق هذا الشرح.
(٤) شبه الجملة لم يرد في د ١.
(٥) ينظر: التهذيب في اختصار المدوّنة لخلف بن أبي القاسم القيروانيّ ٣/ ٩٧.
(٦) في د ١: "من المؤجل".

<<  <  ج: ص:  >  >>