وخالفَه جمهورُ فقهاءِ الأمصارِ، فجعلوا البُرَّ صنفًا، والشَّعيرَ صنفًا، وأجازوا فيهما التَّفاضلَ يدًا بيدٍ؛ للأحاديثِ المذكورةِ في هذا البابِ عن عبادةَ، وممَّن قال بذلك: أبو حنيفةَ، والثَّوريُّ، والشَّافعيُّ، وأحمدُ، وأبو ثورٍ (١). وكان داودُ بنُ عليٍّ لا يجعلُ للمُسمَّياتِ علّةً، ولا يتعدَّى المذكوراتِ إلى غيرِها، فقولُه: إنَّ الرِّبا والتَّحريمَ غيرُ جائزٍ في شيءٍ مِن المبيعاتِ؛ لقولِ الله عزَّ وجلَّ:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: ٢٧٥]، إلّا في السِّتَّةِ أشياءَ المنصوصاتِ؛ وهي: الذَّهبُ، والورقُ، والبُرُّ، والشَّعيرُ، والتَّمرُ، المذكوراتُ في حديثِ عمرَ هذا، والمِلعُ المذكورُ معها في حديثِ عبادةَ بنِ الصَّامتِ، وهي زيادةٌ يجبُ قَبُولُها. قال: فهذه السِّتَّةُ الأشياءِ لا يجوزُ بيعُ الجنسِ الواحدِ منها بعضِه ببَعْضٍ مُتفاضلًا، ولا نساءً؛ الثابتِ عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وهو حديثُ عمرَ هذا، وحديثُ عبادةَ، ولإجماع الأمَّةِ أيضًا على ذلك، إلّا مَن شذَّ ممَّن لا يُعدُّ خلافًا، ولا يجوزُ النساءُ في الجنسين المختلفين منها؛ لحديثِ عمرَ في الذَّهبِ، ولحديثِ عبادةَ، ولأنَّ الأمَّةَ لا خلافَ بينَها في ذلك، ويجوزُ فيهما التَّفاضلُ، وما عدا هذه الأصْنافَ السِّتَّة فجائزٌ فيها الزِّيادةُ -عندَه- والنَّسيئةُ، وكيف شاءَ المُتبايعان، في الجنسِ وفي الجنسين. فهذا اختلافُ العلماءِ في أصلِ الرِّبا الجاري في المأكولِ والمشروبِ، والمكيلِ والموزونِ، مخُتصرًا، وبالله التوفيق.
(١) تنظر جملة هذه الأقوال مع بيان أوجه الاختلاف بينهم في اختلاف الفقهاء لمحمد بن نصر المروزي ص ٥٢٥ - ٥٢٦.