للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديث -أعني حديثَ مالكٍ هذا- دليلٌ على جوازِ صلاةِ الفَذِّ وحدَه، وإن كانتِ الجماعةُ أفضل، وإذا جازَت صلاةُ الفَذِّ وحدَه، بطَل أن يكونَ شُهودُ صلاةِ الجماعةِ فرضًا؛ لأنه لو كان فرضًا لم تَجُزْ للفذِّ صلاتُه، كما أنَّ الفذَّ لا يُجزِئُه يومَ الجُمُعةِ أن يُصلِّيَ قبل صلاةِ الإمام ظُهرًا، إذا كان ممَّن يجبُ عليه إتيانُ الجمُعةِ، قد احتجَّ بهذا جماعةٌ من العلماء، وأكثرُ الفقهاء بالحجاز، والعراق، والشَّام، يقولون: إنَّ حضورَ صلاةِ الجماعةِ فضيلةٌ وفضلٌ، وسُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، لا ينبغي تركُها، وليست بفرضٍ. ومنهم مَن قال: إنّها فرضٌ على الكفايةِ (١).

واختلف أصحابُ الشافعيِّ في هذه المسألةِ؛ فمنهم مَن قال: شهودُ الجماعةِ فرضٌ على الكفايةِ. ومنهم مَن قال: شُهودُها سنَّةٌ مُؤكَّدةٌ لا يُرَخَّصُ في تركها للقادرِ عليها إلّا مِن عذْرٍ. ولهم في ذلك دلائلُ يطُولُ ذكرُها للقولَينِ جميعًا (٢).

وقال أهلُ الظَّاهرِ -منهم داودُ-: إنَّ حضورَ صلاةِ الجماعةِ فرضٌ متعيِّنٌ كالجُمعةِ سواءً، وإنَّه لا يُجزئُ الفَذَّ صلاةٌ، إلّا بعدَ صلاةِ الناسِ في المسجدِ، وإن صلَّاها قبلَهم أعاد (٣). واستدلَّ بظاهرِ آثارٍ رُويت في ذلك، سنذكُرُ ما روَى منها مالكٌ في موضعِه مِن كتابِنا هذا إن شاء الله.


= قلنا: هذا الشاهد القوي المزعوم عنده في الكبير ١٩/ ٣٦ (٧٣) و (٧٤)، وأخرجه أيضًا ابن سعد في الطبقات الكبرى ٧/ ٤١١، والبخاري في التاريخ الكبير ٧/ ١٩٢ - ١٩٣ (٨٥٦)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (٩٢٦)، والبزار كما في كشف الأستار (٤٦١)، والحاكم في المستدرك ٣/ ٦٢٥ من طرق عن يونس بن سيف الكلاعيّ، عن عبد الرحمن بن زياد الليثي، عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الرَّجل يؤمُّ أحدُهما صاحبَه أزكى من صلاة أربعةٍ تَتْرى، وصلاةُ أربعةٍ ... " والحديث ضعيف لجهالة عبد الرحمن بن زياد اللَّيثيّ.
(١) ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ١/ ١٥٥، وبداية المجتهد لابن رشد ١/ ١٥٠، والمجموع شرح المهذب للنووي ٤/ ١٨٢ - ١٩٠.
(٢) ينظر: الأمّ للشافعي ١/ ١٨١، والمجموع شرح المهذّب ٤/ ١٨٢ - ١٩١.
(٣) ينظر: المحلّى لابن حزم ٢/ ٢٦٠ - ٢٦١، وبداية المجتهد لابن رشد ١/ ١٥٠ - ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>