للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر: لا يخلُو قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "صلاةُ الجماعةِ تفضُلُ صلاةَ الفَذِّ" مِن أحدِ ثلاثةِ أوجُهٍ؛ إمَّا أن يكونَ المرادُ بذلك صلاةَ النَّافلةِ، أو يكونَ المرادُ بذلك (١) مَن تخلَّفَ من عُذْرٍ عن الفريضةِ، أو يكونَ المرادُ بذلك مَن تخَلَّفَ عنها بغيرِ عُذْرٍ. فإذا احتمَلَ ما ذكرنا -وكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "صلاةُ المرء في بيتِه أفضَلُ مِن صلاتِه في مسجدِي هذا إلّا المكتُوبةَ" (٢) -علِمنا أنَّه لم يُرِدْ صلاةَ النَّافلَةِ بتفضِيلِه صلاةَ الجماعةِ على الفَذِّ، وإنما أراد بذلك الفرضَ. وكذلك لما قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن غلَبَه على صَلاتِه نومٌ كُتِب له أجرُها" (٣). وكذلك قولُه: "إذا كان للعبدِ عملٌ يعملُه، فمنَعه منه مرضٌ، أمَرَ اللهُ كاتِبَيه أن يكتُبا له ما كان يعمَلُ في صحَّتِهِ" (٤). وكذلك قولُه في غزوَةِ تبوكَ لأصحابِه: "إنَّ بالمدينةِ قومًا، ما سلكتُم طريقًا، ولا قطَعتُم واديًا، ولا أنفَقتُم نفقةً، إلّا وهم معكم، حبَسَهم العُذرُ" (٥)، علِمنا بهذه الآثارِ وما كان في معناها،


(١) قوله: "صلاة النافلة" إلى هنا لم يرد في د ١.
(٢) سلف تخريجه في سياق شرح المصنّف للحديث السادس من أحاديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار.
(٣) أخرجه مالك في الموطّأ ١/ ١٧٣ (٣٠٧) عن محمد بن المنكدر، عن سعيد بن جبير، عن رجلٍ عنده رضًا، أنّه أخبره عن عائشة زوجَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أخبَرَتْهُ أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما مِن امرئ تكون له صلاة بليل، يغلِبُه عليها نومٌ، إلّا كتب الله له أجْرَ صلاتِه، وكان نومُه عليه صدقة".
وهو الحديث الرابع من أحاديث محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير، وسيأتي مع تمام تخريجه ومزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٤) هذا معنى لفظ حديث يُروى بلفظ "إذا كان العبدُ يعمل عملًا صالحًا، فشغَلَه عنه مرضٌ، أو سَفَرٌ، كُتب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيمٌ" أخرجه أحمد في المسند ٣٢/ ٤٥٧ (١٩٦٧٩)، والبخاري (٢٩٩٦)، وأبو داود (٣٠٩١) واللفظ له، من طرقٍ عن العوام بن حوشب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن السَّكسكي، عن أبي بُردة، عن أبيه أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه، وسيأتي بإسناد المصنّف من هذا الطريق للحديث الرابع من أحاديث محمد بن المنكدر عن سعيد بن جُبير في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٥) أخرجه أحمد في المسند ١٩/ ٦٧ (١٢٠٠٩)، والبخاري (١٢٨٣٨) و (٢٨٣٩) من حديث حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه، وسيأتي بإسناد المصنّف من هذا الطريق في الموضع السالف ذكره في التعليقين السابقين إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>