للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّ المتخلِّفَ بعُذْرٍ لم يُقْصَدْ إلى تفضِيلِ غيرِه عليه، وإذا بطَل هذانِ الوجهانِ، صَحَّ أنَّ المُرَادَ بذلك هو المتخلِّفُ عن الواجب عليه بغيرِ عذرٍ، وعلِمنا أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لم يُفاضِلْ بينَهما إلّا وهما جائزانِ، غيرَ أنَّ أحدَهما أفضلُ منَ الآخر.

وممَّا يدُلُّ على ما ذكرنا حديثُ مِحْجَنٍ الدِّيليِّ، حينَ قال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منَعَك أن تصلِّيَ معنا، ألستَ برجُلٍ مسلم؟ " قال: بلى، ولكنِّي قد صلَّيتُ في رَحِلي (١). فعُلِمَ أنَّه إنَّما صلَّى في رحْلِه مُنفرِدًا. وكذلك قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "إذا حضَرَتِ العَشاءُ وأُقِيمَتِ الصلاةُ، فابدءُوا بالعَشَاءِ" (٢). وقد يكونُ مِن العُذْرِ المَطَرُ والظُّلمةُ؛ لقولِه: "ألا صلُّوا في الرِّحالِ" (٣). ومن العُذْرِ أيضًا: مُدَافعةُ الأخبثَين؛ الغائطِ والبولِ. وقد ذكرنا كثيرًا مِن هذه الآثارِ في مواضِعِها مِن كتابِنا، ومضَى القولُ هناك في معانيها، والحمدُ لله كثيرًا.


(١) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٩٣ (٣٤٩) عن زيد بن أسلم عن رجل من بني الدِّيل قال له بُسْرُ بن مِحْجَن، به. وعنده "صلّيت في أهلي" بدلًا من "في رَحلي"، وهو الحديث التاسع عشر من أحاديث زيد بن أسلم عنه، وقد سلف مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ١/ ٥٧٤ (٢٨١٣)، وأحمد في المسند ١٩/ ١٣١ (١٢٠٧٦)، ومسلم (٥٥٧) من حديث محمد بن شهاب الزُّهري عن أنسٍ رضي الله عنه، وسيأتي بإسناد المصنِّف من هذا الطريق في سياق شرحه للحديث الخامس من أحاديث عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيِّب إن شاء الله تعالى.
(٣) سلف تخريجه في سياق شرحه لحديث محمود بن الرَّبيع بن سراقة عن عتبان بن مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>