للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: قُمْ فصلِّ عليه. ومثلُ هذا كُلِّه يدُلُّ على أنّه مخصوصٌ به لا يُشاركُه فيه غيرُه (١)، وعلى هذا أكثرُ العلماءِ في الصلاةِ على الغائبِ.

وفيه الصَّفُّ في الصلاةِ على الجنائز، وقد رُوي عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "ما من مُسلم يموتُ، فيصلي عليه ثلاثةُ صُفوفٍ من المسلمين إلّا أوجبَ". رواه حمَّادُ بنُ زيدٍ، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن يزيدَ بن أبي حبيبٍ، عن مرثدِ بنِ عبدِ الله اليزنيِّ، عن مالكِ بنِ هُبيرة، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-. فذكره. قال: وكان مالكٌ إذا استقلَّ أهلَ الجنازةِ جزَّأهم ثلاثةَ صُفوف. الحديث (٢).

وفي هذا الحديثِ أيضًا: دليلٌ على الاستكثارِ من الناسِ في شُهودِ الجنائز، وذلك لا يكونُ إلّا بالإشعارِ والإعلام، واللهُ أعلم.


(١) وتعقَّب هذا القول بالتَّخصيص غير واحد من أهل العلم، ومن هؤلاء النَّووي فقال: "لو فُتح هذا الباب لم يبق وُثوقٌ بشيءٍ من ظواهر الشَّرع لاحتمال انحراف العادة في تلك القضيَّة، مع أنّه لو كان شيءٌ من ذلك لتوافرت الدواعي بنقله".
وسبقه إلى هذا ابن العربيّ المالكيّ، فضعَّف الأحاديث الواردة في هذا المعنى، فقال: "فإنْ قيل: طُويت له الأرض وأُحضِرَ روحُه بين يديه، قلنا: إنّ ربَّنا لقادرٌ، وأنّ نبيَّنا لذلك لأهلٌ، ولكن لا تقولوا إلّا ما رُويتم من عند أنفسكم. فإنْ قيل: فقد رُوي أن جبريل جاءه برُوح جعفرٍ وبجنازته وقال: قُمْ فصلِّ عليها. قلنا: لا تتحدَّثوا إلّا بثباتٍ من القول، ودَعُوا الأضعَفَ، فإنّه سبيلٌ إلى التَّلفِ"، وفي هذه المسألة خلاف بين العلماء وأصحاب المذاهب بسط القول فيه الحافظ ابن حجر في فتح الباري ٢/ ١٨٨ - ١٨٩. وينظر: المجموع شرح المهذّب للنووي ٥/ ٢٥٣، وعارضة الأحوذي لابن العربي المالكي ١/ ٣٦٠.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٢٧/ ٢٨١ (١٦٧٢٤)، والبخاري في التاريخ الكبير ٧/ ٣٠٣ (١٢٨٨)، وأبو داود (٣١٦٦)، والبغَويّ في معجم الصحابة ٥/ ٢١٢ (٢٠٦٧)، وابن قانع في معجم الصحابة ٣/ ٤٣، والطبراني في الكبير ١٩/ ٢٩٩ (٦٦٥)، والمزي في تهذيب الكمال ٢٧/ ١٦٦ من طرق عن حمّاد بن زيد، به. وإسناده ضعيف، محمد بن إسحاق مدلَّس، وقد عنعن، وتفرّد به. وفي الباب أحاديث صحيحة تغني عنه، منها حديث عائشة رضي الله عنها عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما مِن ميِّت تُصلِّي عليه أُمَّةٌ من المسلمين يبلغون مئةً، كلُّهم يشفعون له إلّا شُفِّعوا" أخرجه أحمد في المسند ٤٠/ ٤١ (٢٤٠٣٨)، ومسلم (٩٤٧) من حديث عبد الله بن زيد رضيع عائشة، عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>