للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعضُ أهلِ العلم في قولِ الله (١): {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}: معنَاه: لكن ما ذكَّيْتُم مِن غيرِ ما ذُكِرَ في هذه الآيةِ ذكاةً تامَّةً. وقد ذكرنا ذلك فيما سلَفَ مِن كتابِنا هذا، وذكرنا هنالك تعارُفَ ذلك في لِسَانِ العَرَبِ، وذلك في بابِ زيدِ بنِ أسْلَمَ.

ومِمَّا يدُلُّ على أنَّ (٢) الاستثْناءَ هاهنا مُنْقَطِعٌ، وأنَّه غيرُ عائدٍ إلى أنَّ النارَ تَمَسُّ مَن ماتَ له ثلاثةٌ مِن الولَدِ فاحْتَسَبَهم: حديثُه الآخرُ -صلى الله عليه وسلم-، وهو قولُه: "لا يموتُ لأحَدِكم ثلاثةٌ مِن الولَدِ فيَحْتَسِبَهم، إلّا كانوا له جُنّةً مِن النَّار". فقالت امرأةٌ: يا رسولَ الله، أو اثنانِ؟ قال: "أو اثْنَانِ" (٣). والجُنَّةُ: الوقَايةُ والسِّتْرُ، ومَن وُقِيَ النارَ وسُتِرَ عنها، فلن تَمَسَّه أصلًا، ولو مسَّتْه ما كان مُوقًى، وإذا وُقِيَها وسُتِرَ عنها، فقد زُحزِحَ وبُوعِدَ بينَه وبينَها، وهذا إنّما يكونُ لِمَن صَبَرَ واحتَسَبَ ورَضِيَ وسَلَّم، واللهُ أعلم.

وهذا الحديثُ يُفَسِّرُ الأول؛ لأنَّ فيه ذِكْرَ الحِسْبةِ؛ قولَه: "فيَحْتَسِبَهم"؛ ولذلك جعَلَه مالكٌ بإثرِه مُفَسِّرًا له. والوجهُ عندي في هذا الحديثِ وما أشبَهَه مِن الآثارِ، أنها لمَن حافَظَ على أداءِ فرائضه، واجتَنَبَ الكبائر، والدليلُ على ذلك أنَّ الخطابَ في ذلك العصرِ لم يتَوجَّهْ إلّا إلى قَوْم الأغلَبُ مِن أعمالهم ما ذكرنا، وهم الصحابةُ رضوانُ الله عليهم.


(١) شبه الجملة لم يرد في د ١.
(٢) حرف النصب لم يرد في د ١.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٣٢٢ (٦٣٢) عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن أبي النّضْر السَّلميّ. وسيأتي مع تمام تخريجه ومزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>