والفرقُ بينَ ما يُغابُ عليه وما لا يُغابُ عليه في المشهورِ مِن مذهبِ مالكٍ وأصحابِه: أنّ ما لا يُغابُ عليه مِن الرُّهُونِ؛ كالحيوانِ وشِبْهِه، والعقارِ ومثلِه، إذا ادَّعَى المرتهِنُ هَلاكَه، ولم يتبيَّنْ كذِبُه، قُبِل قولُه، وإذا ادَّعَى هَلاكَ ما قد غاب عليه عند نفسِه، لم يُقْبَلْ قولُه فيه؛ لأنّه إنّما أخَذَه وثيقَةً لنفسِه، ولم يأخُذْه وديعَةً ليَحْفَظَه على ربِّه، فلا يُقْبَلُ قولُه في ضَيَاعِه إلّا ببيِّنةٍ وأمرٍ ظاهرٍ، وتلزَمُه قيمتُه، يُقَاصُّ بها من دَيْنه، والقولُ قولُه مع يمينِه في قيمَتِه إن نزَل فيها اختِلافٌ بينهما وعُمِّيَتْ، ويتَرادَّانِ الفضلَ في ذلك.
ومعنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "له غُنْمُه" عندَ مالكٍ وأصحابِه، أي: له غلَّتُه وخَراجُ ظَهْرِه، وأُجْرَةُ عَمَلِه.
ومعنى قولِه:"غُرْمُه"؛ أي: نفَقَتُه، ليس الفَكَاكَ والمصيبةَ. قالوا: لأنَّ الغُنْمَ إذا كان: الخراجَ والغلَّةَ، كان الغُرْمُ: ما قابَلَ ذلك مِن النقفةِ. قالوا: والأصْلُ أنَّ المُرْتَهِنَ لم يتَعَدَّ فيَضْمَنَ ما خَفِيَ هلاكُه مِن لمجط ضَمِنَه المسْتَعِيرُ سواءً.
وفي معنى قولِه:"له غُنْمُه، وعليه غُرْمُه" قولُه: "الرهنُ مركوبٌ ومحلوبٌ"(١)؛ أي: أُجْرَةُ ظهرِه لرَبِّه، وكَسْبُه له، ولا يجوزُ أنْ يكون ذلك للمُرْتَهنِ؛ لأنّه ربًا
(١) أخرجه بهذا اللفظ عبد الرزاق في المصنَّف ٨/ ٢٤٤ (١٥٠٦٦)، والشافعيُّ في الأم ٣/ ١٦٧، وابن راهوية في مسنده (٢٨٢)، والبزار في مسنده ١٦/ ١٣٤ (٩٢٢٣)، وابن المقرئ في معجمه (١٤١)، والدارقطني في سننه ٣/ ٤٤١ (٢٩٣٠)، والحاكم في المستدرك ٢/ ٥٨، والبيهقي في الكبرى ٦/ ٣٨ (١١٥٣٩) من طرق عن سليمان بن مهران الأعمش، عن أبي صالح ذكوان السَّمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-. وإسناده صحيح، إلّا أن بعضهم قال بوقفه على الأعمش، وأوضح سبب ذلك الحاكم فقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لإجماع الثوريِّ وسْعبة على توقيفه عن الأعمش، وأنا على أصلي الذي أصَّلتُه في قبول الزيادة من الثقة". وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق ٤/ ١٢٢: "وهذا الإسناد صحيح وإن كان غير مخرَّج في شيء من الكتب السِّتة، والأشبه أن يكون موقوفًا". =